قال محمد مصطفى جاد رئيس شركة البريد للإستثمار ، أننا نحناج لضبط بعض التعريفات الإقتصادية كالتضخم والبطالة وكذلك معدل النمو، لتصبح تعبر بكفاءة عن مضمونها ، مشيراً إلى أن إرتفاع معدل التضخم غير ناتج عن إرتفاع القدرة الشرائية لدى المواطنين ، حتى يتم معالجته بأدوات السياسة النقدية ، عن طريق رفع أسعار العائد ، كما أن البطالة لاتتمثل فقط فى عدم العمل ، ولكنها قد تكون فى عدم الحصول على أجر مرضى وكافى .
أكد مصطفى جاد ، فى حوار خاص لـ “بنوك اليوم” ،أنه من الظلم تحميل البنك المركزى مسئولية توفير النقد الأجنبى بمفرده، وذلك لأنه يقوم بإدارة الفوائض المالية من العملة الأجنبية ، مشدداً على حاجة الجهاز المصرفى لحزمة قرارات من السلطة التنفيذية حتى يتمكن من القيام بالدور المنوط به بكفاءة عالية .
-
“المركزى” يدير الفوائض المالية من النقد الأجنبى
-
مازال هناك قصوراً فى آلية سوق الصرف
-
الإستثمار فى أدوات الدين ..كان الخيار الأسهل للبنوك
-
الجهاز المصرفى يحتاج إلى حزمة قرارات من السلطة التنفيذية للقيام بالدور المنوط به بكفاءة
-
مطلوب وضع رؤية واضحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة
-
زيادة رؤوس أموال البنوك .. أصبح ضرورة
-
“الشمول المالى” كلمة السر لدمج الإقتصاد غير الرسمى
-
نحتاج لضبط بعض التعريفات كالتضخم والبطالة ومعدل النمو
-
رفع الدعم ينذر بمعاودة معدل التضخم للإرتفاع مجدداً
** توقع الكثيرون أن يكون عام2019 هو الأصعب .. كيف ترى ذلك فى ضوء المؤشرات الإقتصادية الحالية ؟
** بعيداً عن المؤشرات لأنها من وجهة نظرى لاتعبر عما يحدث بالفعل على أرض الواقع فعلى سبيل المثال معدل التضخم حدث نتيجة إرتفاع الدولار ، وبالتالى فإن التضخم الذى يمكن السيطرة عليه هو الناتج عن زيادة السيولة بالسوق ، ويكون الناس لديها قدرة شرائية، وتستطيع أن تدفع أكثر للسلع ، وهذا هو التضخم الذى يمكن التعامل معه ، عن طريق زيادة أسعار الفائدة ، والتحول من الإنفاق للإدخار، وهذا لم يحدث بل نتيجة لزيادة قيمة الدولار وبالتالى زيادة أسعار السلع ، ولم ينتج عن قدرة شرائية بل على العكس أدى إرتفاع الدولار لإنخفاض القدرة الشرائية .
وبالتالى فإن إنحسار معدل التضخم حالياً ، نتيجة عدم وجود قدرة شرائية للمواطن لشراء السلع وليس نتيجة للسياسات الإقتصادية ، لأن نجاح السياسة النقدية أنك تحول المواطن من الإنفاق إلى الإدخار وهذا لم يحدث، وبالتالى فإنه فى ضوء المؤشرات لأن لى تحفظات عليها لأنها لاتعبر عما يحدث بالفعل .
فإذا تحدثنا عن معدلات النمو، فهو ليس نمو إقتصادى بل نمو فى البنية التحتية ، لأن القطاعات الإقتصادية الأخرى كالسياحة والتصدير والصناعة لم يرتفع معدل النمو بها ، خاصة أن هذه القطاعات هى القادرة على أن تصل بنا إلى نمو إقتصادى حقيقى ، يمتص معدلات البطالة ، لأن الشعب المصرى لن يعمل بالكامل فى البنية التحتية بل هناك قطاعات أخرى .
أننا فى حاجة ماسة لتعريف معدل البطالة نفسه ، فهل البطالة هى أن يكون الفرد غير عامل ، أم أنه يعمل بمقابل غير كافى والعائد غير مرضى وكافى لإحتياجاته ، وبالتالى نحن نطلق تعريفات وتضم بنود لاتعبر عن هذا التعريف .
ففى وقت من الأوقات سابقاً وصلنا لمعدلات نمو 7% ، ولكن المواطن لم يشعر بهذا النمو ، وذلك لأنه لم يخاطب جميع قطاعات الإقتصاد ، كما أنه لم يؤثر النمو على أغلب المواطنين بالشارع ، ولقد أبتعدنا عما كان ينبغى أن يتم فى عام 2011 ، وبالتالى فإن معدلات النمو والبطالة والتضخم تحتاج لتعريفات مختلفة تعبر عن المعايير الحقيقية لهذه التعريفات بما يعبر عن الوضع الإقتصادى .
** هناك تخوفات من عودة معدل التضخم للإرتفاع مرة أخرى ، خاصة مع إلغاء الدعم عن المحروقات فى يونية القادم .. ماهو رأيكم؟
** مما لاشك فيه أنه سيحدث زيادة فى معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة وذلك لثلاثة عوامل ، الأول أنه فى ظل زيادة الأسعار نتيجة رفع الدعم عن بعض السلع والخدمات ،وبالتالى أنه على الأقل هذه الزيادات فى بعض القطاعات ستؤثر فى معدل التضخم ، ويتمثل العامل الثانى أننا لدينا معامل فى منتهى الأهمية والخطورة وهو الدولار ، وذلك لأن نتيجة فرق أسعار الفائدة لدينا تدفقات أجنبية ، ولكن هذه التدفقات الأجنبية وهذه خطورتها ليست تدفقات مستقرة ، لأن هذا ليس الاستثمار المباشر الذى نأمل فى تحقيقه ، ولكنها أموال ساخنة التى يتم تحويلها للجنيه المصرى ، ويقوم المستثمرين بالإكتتاب فى أدوات الدين الحكومية ، ولكنها معرضة للخروج بشكل مفاجىء ولقد عاصرنا هذا الأمر من قبل ، فيتم الخروج بشكل سريع بما يمثل ضغوط على العملة الأجنبية ، ولم تساعدهم فى الخروج فى أى وقت حتى يتم تطبيق آليات السوق ، وهو الأمر الذى يكون له تأثير سلبى على الإقتصاد .
وفى رأى أن العمل على الإستثمار المباشر مازال ضعيف جداً ، ولن يأتى المستثمر الأجنبى أو الخارجى للسوق المصرية ، قبل أن يطمئن أن المستثمر الداخلى أمن ويعمل ويحقق مكاسب وعوائد ، والمستثمر الداخلى يجد تحدى فى مزاحمة الدولة له فى عمله ، كذلك غير متوافر لهذه الانشطة دخول تشجع العمالة على أنها تزيد وتستمر فى السوق ، ففى حالة تخفيض راتب العامل يضطر لعدم الإستمرار فى العمل ،وبالتالى فإن قدرة العامل على تحسين معيشته وتحقيق مكاسب غير موجودة ، وبالتالى فإن الإستثمار المباشر لن يتحقق إلا عندما يشعر المستثمر المصرى أن إستثماره مربح ومستقر .
** بعد مرور عامين ونصف على قرار البنك المركزى المصرى بتحرير سعر الصرف “التعويم”.. كيف ترى وضع سوق الصرف ؟
** لقد عملت بسوق الصرف منذ عام 1980 ، ولقد عاصرنا تحريرات مختلفة لسوق الصرف خلال هذه الفترة ، وكمتعامل بالسوق وكمواطن مصرى ، إذا لم أستطع أن أذهب للبنك وأطلب تحويل بقيمة 5 الآف دولار ، أو 10 الاف دولار لحسابى ويطلب منى تذكرة السفر ، فإن هذا الأمر معناها وجود قصور فى هذا الجهاز ، لأن وفرة العملة مهمة وتؤدى إلى عدم وجود مشكلة فى تدبير الدولار للعملاء فى أى وقت ، وهو ما يفسر قيام العملاء بالإحتفاظ بالدولار لأنهم يتوقعون إرتفاعه .
وفى فترات سابقة كنا نتجه لشراء الدولار من السوق حتى لايهبط سعره لمستوى كبير لأن المعروض من العملة الأمريكية كان يفوق الطلب ، ولذلك فإن هذا النظام يحتاج للمزيد من العمل لضبط السوق، ومن الظلم تحمل البنك المركزى لهذه المسئولية بمفرده لأنه يقوم بإدارة الفوائض من العملة الأجنبية ، والتى لن تأت من البنك المركزى ولكنها تأتى من شرايين الإقتصاد المختلفة ، من خلال الإستقرار الداخلى والوضوح فى السياسات المالية والنقدية ، ولذلك فلابد من العمل على تحسين مناخ الإستثمار المباشر .
وفيما يتعلق بتحويلات المصريين بالخارج فلقد تراجعت عن سبعة أو ثمانى سنوات سابقة ، لأنك فى أعوام 2007 ، 2008 كان هناك إستقرار إقتصادى بشكل أكبر ، وذلك لأن المصريين العاملين بالخارج لايقومون بتحويل كامل أموالهم فى الوقت الراهن كما كان يحدث فى السابق ، بل يحتفظ بجزء منها قد يصل لربع أمواله لأنه لايعلم مستقبل سعر الدولار ، ومن الأفضل أن يتم صرف هذه الأموال بالسوق المصرية ، وزيادة التحويلات لاتساهم فقط فى زيادة الإحتياطى النقدى ، ولكنها تساهم فى دوران عجلة الإقتصاد .
** يرى البعض أن سعر الفائدة بالسوق المصرية مازال مرتفعاً رغم خفضه 1%، ما يعوق من عجلة الإستثمار وإقامة المشروعات .. ماهو رأيكم فى ذلك؟
** تتباين الأراء حول إتجاهات البنك المركزى فيما يتعلق بمستقبل أسعار الفائدة ، حيث يرى البعض أنه قد يتجه لخفض الفائدة ، فيما يرى أخرون أن المركزى سيثبت أسعار الفائدة ، وهو ما تحقق بالفعل فى إجتماعات سابقة للجنة السياسة النقدية والتى تم خلالها تثبيت العائد ، وذلك لأنه يرى أن هناك إحتمالات بموجة تضخمية جديدة قد تؤدى لإرتفاع الأسعار ، وبالتالى إذا خفض الفائدة فى الوقت الراهن قد يضطر لرفعها مرة أخرى ، ولذلك يفضل تثبيت العائد ، وإذا تطلب الأمر رفع العائد فى المستقبل سيكون بنسبة بسيطة ، وبالتالى فلماذا لم يقم المركزى بخفض الفائدة مع تراجع معدل التضخم، لأنه يعلم أن هناك موجة تضخمية جديدة .
** “أذون الخزانة والسندات”.. كانت كلمة السر فى تحقيق أغلب البنوك معدلات ربحية عالية خلال الفترة السابقة .. إلى أى مدى ترى إمكانية إستمرار ذلك مستقبلاً ؟
** بالطبع هذا السيناريو كارثى ، لأن القطاع المصرفى دوره دعم وتحريك عجلة الإقتصاد ، النهاردة تمنح البنوك أداة وبسعر عائد مرتفع 15 أو 16% ، فى حين فى حالة إقراض شركة أو عميل فإننا أمام درجة من المخاطر ، وبالتالى إتجهت البنوك إلى الخيار الأقل مخاطرة ، وهو الإستثمار فى أدوات الدين الحكومية من سندات وأذون الخزانة ، وكانت النتيجة أن الدين العام الداخلى أو المحلى قد إرتفع إلى أربعة تريليون جنيه ، وليس هذا الدور الأساسى للبنوك ، ولكننا فى الوقت نفسه لايمكننا توجيه اللوم للبنوك ، لأن المنظومة شجعت البنك على أن يغير منظومة التوظيف الخاصة به ، بدلاً أن يقوم بتوظيف الأموال فى تمويل مشروعات ، إتجه إلى توظيفها فى أدوات الدين الحكومية بـ 16% ليحقق ربحية عالية .
وبالتالى فلابد من توجيه البنوك لضخ سيولة فى تمويل المشروعات ، كما أن المناطق الحرة فرصة جيدة للتوسع فى إقامة المشروعات ، ولكننا إختزلنا مزايا المناطق الحرة فى عدم سداد الضرائب ، وفرصة التشغيل توفر العديد من فرص العمل ، فعلى سبيل المثال هناك مصنع واحد فى بورسعيد يعمل به 7 الآف عامل ، فهذة المصانع وغيرها توفر على الدولة خلق فرص العمل، ولذلك لابد أن يتم تحفيز إقامة المناطق الحرة عبر رفع الضرائب عنها ،وتقديم مزايا إضافية لأنها تساهم فى توفير فرص العمل .
** شهد الجهاز المصرفي برنامج إصلاح وإعادة هيكلة في عام 2004 .. هل هناك ضرورة حالياً لإجراء مرحلة جديدة من الإصلاح المصرفي ؟
** فى الأوقات السابقة كان لدينا مشاكل كبيرة فى الديون المتعثرة والعمليات التى تنظم القطاع المصرفى ، ولكن ما نحتاجه اليوم ليس إصلاح مصرفى ، ولكن سياسات تنفيذية تتيح للجهاز المصرفى القيام بدوره ، فعلى سبيل المثال المشروعات الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى آلية جديدة ، ولا يقتصر الأمر على تغيير أسم الصندوق الإجتماعى إلى جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ،فلابد من تطويره وهيكلته بشكل حقيق وليس مجرد تغيير المسميات .
ففى هذا المجال لابد أن تضع الدولة خريطة ورؤية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تحتاجها ، ويجب أن يكون هناك فكر إدارى لدعم هذه المشروعات من الناحية الإدارية والإنتاجية والتسويقية ، وفى النهاية تأتى كيفية التمويل ، ولكننا فى الواقع لا نتحدث سوى عن التمويل دون الإهتمام بكافة التفاصيل سالفة الذكر .
** تعلم أن هناك بنوكاً بالسوق المصرية مازالت رؤوس أموالها تدور حول الـ 500 مليون جنيه.. كيف ترى هذا الملف ؟
** فى الحقيقة المستوى الحالى لرؤوس أموال بعض البنوك غير منطقى ، ويحد من قدرة البنوك على الإقراض ، وذلك لأن الإقراض مرتبط بإجمالى حقوق المساهمين ، كما أنه يحد من قدرة البنك على الإيفاء بالإلتزامات الخاصة به ، فلا يعقل أن يكون رأسمال البنك 500 مليون جنيه ولديه ودائع بـ 6 أو 7 مليارات جنيه .
وأعتقد أن رأسمال البنك البالغ 500 مليون جنيه كان قد يكون مناسباً إلى حد ما ، عندما كان سعر الدولار بـ 7 جنيهات ، ولكن فى الوقت الحالى لابد أن يصل رأس المال إلى 2 أو 3 مليارات جنيه على الأقل .
** تحملت البنوك المصرية عبء الظروف الإقتصادية التي مرت بها البلاد .. كيف ترى وضع الجهاز المصرفى حالياً ؟
** أعمل فى الجهاز المصرفى وأسواق المال والإستثمار منذ ما يقرب من 40 عاماً ، ولكننى سأتحدث اليوم كعميل بالبنوك ، فإننى أجد أن هناك تدنى واضح فى أداء الموظفين، ويرجع ذلك للكيفية التى يتم بها إختيار من يعملون بالجهاز المصرفى ،فلم تعد طريقة الإختيار كما كانت منذ 20 عاماً مضت .
أضف لما سبق أن هناك إفتقار لعملية التدريب ، وهو دور مهم للبنك المركزى ويجب أن يدعمه ، ولديه المعهد المصرفى الذى يجب أن يكون له دور فى هذا الأمر ، ولابد أن يراقب “المركزى” مستوى التدريب والمدربين بالمعهد المصرفى.
** إتجهت الدولة المصرية إلى تعميم آلية الدفع الإلكترونى للمدفوعات التى تزيد قيمتها المالية عن 500 جنيه .. ماهو رأيكم فى ذلك ؟
** الشمول المالى فكرة مهمة جداً ، وبدون الشمول المالى لن تتمكن من دمج الإقتصاد غير الرسمى فى المنظومة الرسمية ، والتى تعادل ثلاثة أضعاف الإقتصاد الرسمى ، وبالتالى فإن ميكنة المدفوعات فى غاية الأهمية لتحقيق هذا الهدف .
ولكن هذا هو الدور السهل ، ودعنى أتساءل أين دور الجهاز المصرفى فى تحقيق الشمول المالى ، فلو أجرينا إستطلاع للرأى حول معرفة المواطنين للبنوك فى القرى والنجوع ، سنجد أنهم لايعرفون سوى البريد المصرى ، وقد يعرفون البنك الأهلى وبنك مصر ، ولذلك لابد من وجود وعى تثقيفى ، ومجهود يبذل على أرض الواقع لـ100 مليون مواطن ، أكثر من 85 % منهم لايعلمون شيئاً عن القطاع المصرفى .
** هناك من يرى أن أداء المجموعة الإقتصادية للدولة المصرية مازال يحتاج لمزيد من الجهد والتخطيط والمتابعة .. ماهى وجهة نظركم فى هذا الشأن ؟
** أتفق إلى حد كبير مع هذا الرأى لأن السلطة التنفيذية مسئولة عن كل شىء ، وفكرة وضع قواعد وتصور لنقل الدائرة الإقتصادية المصرية الحالية إلى زاوية ثانية ، لأننا تحولنا إلى سياسة الجباية ، بهدف زيادة الإيرادات ، ولقد كان لنا تجربة سابقة فى قناة السويس حينما قررت رفع الرسوم منذ عام ونصف العام ، ولكنها تراجعت عنها عندما وجدت أن الإقبال عليها تراجع ، وبحث العملاء عن وسائل بديلة ،وبالتالى فإن زيادة قيمة الضرائب قد لا يحفز العملاء على سداد الضرائب ، ولدينا مثال مصرى يتمثل فى تجربة الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق، عندما خفض الضرائب إلى 20% فتزايدت الحصيلة الضريبية إلى 300% .