ربما أوضحت الخمسون عاماً الأخيرة أن الإقتصاد العالمي أصبح له وجه واحد واتجاه واحد وهو المنافسة في سوق حر قائم علي المنافسة العادلة، وآليات سوق منضبطة ولا شئ غير ذلك ، بعد أن تبخرت كل التجارب القائمة علي الإقتصاد الشمولي والموجه ، وأصبحت في حكم التاريخ .
فعلي سبيل المثال نجد أن الكثيرين من المنتمين لليسار والتيارات القومية يتغنون بالتجربة الصينية كنموذج أسطوري للنهضة الإقتصادية ، والتحول الرهيب من دولة فقيرة إلي دولة غنية ، وربما ستكون الصين من أوائل دول العالم التي ستقضي علي الفقر نهائياً بحلول 2022 ، بعد أن رفعت ناتجها المحلي من 370 مليار دولار عام 1990 إلي مايقارب 14 تريليون دولار عام 2018 أي تضاعف إقتصادها 30 مرة في 28 عاماً ، هذه الطفرة لم تتحقق إلا بإنتهاج الصين آليات السوق الحر وليس بإقتصاد موجه ، وهذا لايمنع من إحتفاظها بقطاع عام كفؤ قادر علي المنافسة وفقاً لآليات حرة تماماً ، كما أنه لم يتحقق الا بالاهتمام بالصناعة والزراعة والتصدير ، وكذلك وربما في المقام الأول التطور التكنولوجي في كافة المجالات ، وربما لم يكن شيئاً من هذا ليتحقق لولا الإهتمام بالتعليم من المراحل الابتدائية وصولا للجامعة ، والحفاظ علي مجانية التعليم وفقاً لقواعد تنتج متخرجين يحتاجهم سوق العمل بشكل فعلي .
الصين لم تنظر للوراء إلا للإستفادة من أخطاء التجارب السابقة ، ونظرت للأمام لتبني مستقبلاً عظيماً لأمة عظيمة .. ربما نفس الأمر بالنسبة لمصر ، يجب أن ننظر للأمام ووضعنا بين إقتصادات العالم وماذا نحتاج حقا للمنافسة ؟، وربما أبسط مثال تستطيع مصر رفع القيمة السوقية لبورصتها إلي 10 أضعاف لتصل لتريليون دولار لو طرحت حصص تتراوح بين 2% و5% من البنوك العامة كلها، ومن شركات الكهرباء والبترول بحد أدني مليار جنيه للطرح الواحد الواحد ، وهي في نفس الوقت ستحافظ علي استمرار تحكمها في الإدارة ، وأمامنا نموذج أرامكو التي طرحت السعودية 5% منها، وأرامكو ليست شركة انها الإقتصاد السعودي فهي تنتج 10 ملايين برميل بترول يومياً، وتملك مايزيد عن 200 مليار برميل من الإحتياطيات … فمتي نبدأ ؟