يتميز منصب محافظ البنك المركزى فى كل دول العالم بالخصوصية ، حيث يعد المنصب الإقتصادى الأهم فى هرم المناصب الرسمية، كما أنه عصب الإقتصاد بقراراته التى تؤثر فى مستويات التضخم،الأسعار، السيولة النقدية ، الإئتمان، بالإضافة إلى طباعة النقد وإدارة مديونيات الدولة، وبالتالى فالجهاز المصرفى وإستقراره يعتبر من أهم القطاعات الإقتصادية بالدولة .
إختلفت معايير إختيار محافظ البنك المركزى المصرى منذ عام 2004 ، وذلك عندما بدأت مصر المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح المصرفى، عندما تقلد الدكتور فاروق العقدة منصب محافظ البنك المركزى، وكان يعمل قبلها رئيساً للبنك الأهلى المصرى ، ليضع أسس الإصلاح المصرفى ، ولقد ظهر الأثر الإيجابى لإختيار شخصية ذات خلفية مصرفية لقيادة البنك المركزى المصرى جلياً فى نجاح المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادى ، وقيام “العقدة” بإستقطاب الكوادر المصرفية والكفاءات التى نجحت فى قيادة القطاع المصرفى .
كما نجح الدكتور فاروق فى إعادة بناء البيت من الداخل وتجهيز البنك المركزى والجهاز المصرفى ككل ، والتوافق مع المعايير الدولية لتقع البنوك المصرية فى مصاف البنوك الدولية والعالمية .
ولقد نجحت البنوك المصرية فى تجاوز العديد من الأزمات التى أثبتت صلابتها وقوتها فى مواجهة المستجدات الدولية ، بدليل صمودها أمام الأزمة المالية العالمية فى عام 2008 ، وكانت بمثابة حائط الصد الذى حمى الإقتصاد المصرى فى ظل ثورة 25 يناير ونجح فى حماية البلاد خلال هذه الفترة .
كما تولى البنك المركزى خلفاً للدكتور فاروق العقدة لشغل منصب محافظ البنك المركزى ، هشام رامز نائب محافظ البنك المركزى ، والذى كان يشغل منصب العضو المنتدب بالبنك المصرى الخليجى قبل توليه منصب نائب المحافظ ، والذى يتمتع بخبرة مصرفية كبيرة .
وجاء من بعدهما طارق عامر محافظ البنك المركزى ، الذى كان يشغل منصب نائب محافظ البنك المركزى ، وقبلها شغل منصب رئيس البنك الاهلى المصرى ، ولقد قام بمجهود كبير فى خطة تطوير البنك الأهلى المصرى ، كان له دور ملموس فى تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح المصرفى المصرى خلال قيادة الدكتور فاروق العقدة، الذى حقق نتائج ملموسة على مستوى ضبط سوق الصرف وإدارة السياسة النقدية بحرفية بالغة .
إستطاع “طارق عامر” إستكمال هذا الدور بنجاح كبير منذ توليه قيادة البنك المركزى فى عام 2015، فى ظل ظروف غير مستقرة على مستوى تفاقم أزمة السوق الموازية ، وأزمة البضائع التى كانت محجوزة بالجمارك ، وعدم القدرة على تدبير النقد الأجنبى للمستوردين ، وإنخفاض الإحتياطى النقدى لمستويات متدنية بلغت 13 مليار دولار .
ونجح “عامر” فى إتخاذ قراره الجرىء بتحرير سعر الصرف ، وهو الأمر الذى لم يتمكن أحداً من إتخاذه على مستوى عهود سابقة ، ليتجرع الإقتصاد المصرى الدواء المر ، ويتمكن من التعافى ويتم القضاء نهائياً على السوق الموازية ، ويتم ضبط السوق ، وإدرة السياسة النقدية بحرفية بالغة بإشادة دولية من كافة المؤسسات الإقتصادية الدولية ، ليرتفع إحتياطى النقد الأجنبى لمستويات تاريخية غير مسبوقة تصل إلى أكثر من 44 مليار دولار .
تتباين الأراء حول الخلفية الإقتصادية والمصرفية لمحافظ البنك المركزى ، ففى الوقت الذى يرى البعض ضرورة أن يكون المحافظ ذو خلفية إقتصادية ، يرى أخرون أن المحافظ ذو الخلفية المصرفية هو فى الأساس ذو خلفية إقتصادية .
طارق حلمى الخبير المصرفى، قال أنه ينبغى أن يتمتع محافظ البنك المركزى بالخبرة والنزاهة ، ولابد أن يكون ذو خبرة إقتصادية وفى نفس الوقت على دراية وإلمام تام بعمل البنوك ، مشيراً إلى أن المصرفى هو فى الأساس شخصية إقتصادية على دراية وإلمام بالعمل المصرفى .
وقبل تولى الدكتور فاروق العقدة منصب محافظ البنك المركزى المصرى ، شغل هذا المنصب الدكتور محمود أبو العيون، الذى يمتلك خبرة إقتصادية كبيرة ،حيث حصل على شهادة البكالوريوس الاقتصاد عام 1973 من جامعة أسيوط، وبعام 1974 عين معيدًا بجامعة الزقازيق ،وذلك حتى حصوله على الماجستير بعام 1980 ، ثم سافر إلى الولايات المتحدة في بعثة لدراسة الدكتوراة والتي حصل عليها بعام 1986 من جامعة كنساس، وبعام 1990حصل على درجة أستاذ مساعد، وبعام 1996حصل على درجة الأستاذية في الإقتصاد من جامعة الزقازيق.
وبعد حصوله على الدكتوراه عين مستشارًا لوزير الإقتصاد ،وذلك بالفترة من عام 1986 إلى عام 1992 ، كما كان مستشارًا لوزير السياحة والطيران المدني بالفترة من عام 1987 حتى عام 1992 ، كان قد عين بعام 1988 عضوًا بمجلس إدارة بنك قناة السويس، وأيضًا عضوًا في شركة التعمير السياحي، وفى 1990 عين كوكيل لمحافظ البنك المركزي، وكأول مدير تنفيذي للمعهد المصرفي المصري، واستمر بمنصبه حتى عام 1992 ، وفي عام 1992عين مستشارًا اقتصاديًا للصندوق الكويتي للتنمية الإقتصادية العربية،واستمر بمنصبه حتى عام 1999 ، حيث عين بهذا العام نائبًا لمحافظ البنك المركزي.
وفي عام 2001عين محافظًا للبنك، وخلال توليه مسؤولية المحافظ حصل خلاف بينه وبين رئيس الوزراء عاطف عبيد الذي كان يرفض فكرة إستقلاليه البنك المركزي وكان يتدخل بعمله، كما إن رئيس الوزراء قد قام بتحرير سعر الصرف بدون الرجوع إليه، حيث ترك منصبه في ديسمبر عام 2003 .
وبعد إقالته غادر مصر إلى الكويت، حيث عمل مستشارًا للدولة لإعداد الدراسة الاقتصادية لميناء بوبيان الاستراتيجي (ميناء مبارك الكبير بعد ذلك)، كما عين في ديسمبر من عام 2004 كبيرًا لمستشاري الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وفي 2006 عين مستشارًا لوزير المالية الكويتي، واستمر بمنصبه حتى عام 2010 عندما أختير رئيسًا تنفيذيًا لبنك الكويت الدولي، إلى أن إستقال من منصبه عام 2011 .
وقبل تولى الدكتور محمود أبو العيون منصب محافظ البنك المركزى تولى هذا المنصب الخبير المصرفى إسماعيل حسن ، الذى لديه تاريخ مصرفى كبير ،حيث عمل فى البنك الأهلى المصرى بعد تخرجه من كلية تجارة جامعة عين شمس مباشرة عام 1959، ثم انتقل للعمل بالبنك المركزى المصرى فى قطاع الرقابة على البنوك عام 1961بعد صدور قرار جمهورى بتأسيسه ككيان رقابى مستقل يمثل الحكومة المصرية.
كما عُين كمستشار مالى لرئيس دولة اليمن، ثم استأنف رحلته المصرفية بمصر مرة أخرى ليتولى رئاسة المصرف الإسلامى الدولى للتنمية والاستثمار، ثم عاد للعمل بالبنك المركزى المصرى من جديد وتدرج بالمناصب حتى تم إختياره فى أكتوبر 1993 محافظًا للبنك المركزى لمدة وصلت إلى 8 سنوات فى الفترة من 3 يوليو 1993 إلى 31 اكتوبر 2001، وبعد ذلك انتقل للعمل رئيسًا لمجلس إدارة بنك مصر إيران مع بداية شهر نوفمبر2001، وتمكن خلال فترة عمله فى “مصر إيران” من جذب العديد من المساهمين الجدد من المصريين والإيرانيين، ووصل بحجم ميزانية البنك إلى 23 مليار جنيه فى 2017 ،بعدما كانت لا تتعدى المليار جنيه فى 2011.
ويعد البنك المركزى المصرى شخصًا اعتباريًا عامًا مستقلاً يعمل طبقًا للسلطات والصلاحيات المخولة له بموجب القانون رقم 88 لعام 2003، والقرار الجمهورى – الرئاسى- رقم 65 لعام 2004، ومن مسئوليات البنك المركزى ومحافظه الذى يشرف عليها، تحقيق استقرار الأسعار وضمان سلامة الجهاز المصرفى، وصياغة وتنفيذ السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية، وإصدار أوراق النقد وتحديد فئاتها ومواصفتها، والرقابة على وحدات الجهاز المصرفى، وإدارة إحتياطات الدولة من النقد الأجنبى، وتنظيم وإدارة سوق الصرف الأجنبى، والإشراف على نظام المدفوعات القومى، وحصر ومتابعة المديونية الخارجية على الحكومة والهيئات الإقتصادية والخدمية والقطاع العام وقطاع الأعمال والقطاع الخاص.
وينص قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد رقم 88 والصادر عام 2003، فى المادة العاشرة منه: “يكون للبنك المركزى محافظ يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد، ويتضمن القرار معاملته المالية، ويعامل المحافظ من حيث المعاش معاملة الوزير، ويكون قبول استقالة المحافظ بقرار من “رئيس الجمهورية”، وتبلغ المدة القانونية للمنصب، ومجلس البنك المركزى المصرى المكون من 9 أعضاء 4 سنوات قابلة للتجديد.