التاريخ يكتبه المنتصرون، عبارة تحمل في طياتها كل الحقيقة ، وربما لم يحظ تاريخ دولة بمثل هذا العبث مثل التاريخ المصري ، منذ موجات الإحتلال المتتابعة التي ضريت أم الدنيا وسيدة التاريخ وصانعة الحضارة .
ورغم أن الحضارة المصرية سجلت كل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة ، لأنها أمة كانت لها لغة منذ فجر التاريخ ، وكانت من أول الأمم التي كتبت وسطرت علي جدران المعابد وأوراق البردي تاريخ مصر، إلا أن موجات الإحتلال الممتالية من الروماني والاغريق والعرب ثم الانجليز والفرنسيين ، وحكم المماليك والأتراك حرفت كثيراً من تاريخ مصر، طبقاً لمقولة التاريخ يكتبه المنتصرون.
ولم يقتصر الأمر علي ذلك ، بل بعد ثورة 1952 ، صورت لنا أسرة محمد علي الألباني الأصل ، وأحد المماليك قبل أن يصبح أحد أكبر تجار الأقطان ثم حاكماً لمصر ، صورت لنا علي أنهم مجموعة من اللصوص ، وحالياً تدور موجات من الصراع بين من يشوهون عبد الناصر ومن يشوهون فترة حكم الملكية .
بكل أسف فقدنا الموضوعية والحياد والقراءة المجردة للتاريخ بدون انحيازات ، لتسطر لنا كل التفاصيل بحياد وتترك للأجيال القادمة الحكم علي من جلسوا علي مقعد الحكم في مصر ، ولايتبقي لنا الا بعض كتابات الرافعي والجبرتي وغيرهم من المؤرخين ، وأيضاً بعض الكتاب المحايدين .
أسعدني الحظ أن أستمع منذ سنوات في نقابة الصحفيين لأحد كبار المفكرين المصريين سمير أمين ، الذي تم نفيه الي باريس ، ثم استقر فيها ، وكانت له رؤية فيها الكثير من الحياد وهو يستعرض تاريخ مصر ،مؤكداً أنها مرت بعصور نهضة في عهد محمد علي ،وابراهيم باشا والملك فؤاد والخديوي اسماعيل وعبد الناصر ، وتخللت ذلك بعض عصور التراجع … رحل سمير أمين في 12 أغسطس 2018 تاركاً ، مكتبة عظيمة من المؤلفات .
ويبقي تاريخنا في حاجة لمؤرخ محايد يكتب لنا تاريخنا المعتصرخلال القرنين التاسع والعشرين بشكل محايد .