كتب ماجد فهمى
ربما يدهشك العنوان ،فالطبيعى والمألوف أن نتحدث عن صناعة النجاح وأسبابه ومقوماته، وليس عن الفشل والتعايش معه وبه ، الا أن ما أطرحه هنا هو مجرد رأى وتشخيص من وجهة نظرى، لمرض مزمن آن الآوان لمحاولة ايجاد علاج له .
للأسف اننا عانينا على مدى عقود طويلة مضت من الفشل على معظم المستويات للدرجة التى جعلت البعض يطلق على مصرنا العزيزة ( دولة الفرص الضائعة والهدر ) ، ولكن مصر بدأت عهداً جديداً وبدأ البناء ، وأصبح واضحاً ان هناك ارادة سياسية قوية للاصلاح والتغيير ، وعلاج أوجه الخلل على كافة المستويات تجنبا وتجاوزا لهذا الفشل الذى اضحى مزمنا فى كثير من مناحى الحياة فى بلدنا .
والفشل مثله كنتيجة مثل النجاح لا يأتى صدفة بل أن له أسباب وعوامل- وكما يمكن أن تتوقع نجاح شخص أو مهمة بتحليل الاسباب والمقومات ، يمكن أيضاً ان تتوقع العكس بنفس الآلية ،وكما ان للنجاح رموز ورجالات فهناك أيضاً رموزا للفشل ،حيث تستطيع ان تتوقع اخفاقهم من اليوم الأول لتوليهم المسئولية لأنهم ببساطة غير مؤهلين للقيام بتلك المهام .
لن أخوض فى أسباب الفشل فهى كثيرة ومتعددة ، وربما كان أبرزها هو سوء اختيار القيادات والمسئولين فى مختلف المجالات ، سواء كان ذلك بسبب الجهل وقصور المعلومات ، أو بسبب المجاملات والمصالح المتبادلة مما يمكن وصفه بالفساد ، وهو الداء الذى عانينا منه كثيراً وما زلنا .
الموضوع المثار هنا هو قبول الفشل والتستر عليه والتعايش معه والتباطوء فى اتخاذ قرار التغيير والاصلاح، حتى نصل إلى المرحلة التى يصبح فيها الاصلاح مستحيلا ، فالفشل الادارى كالسرطان إذا تم اكتشافه وتشخيصه والتعامل معه فى مرحلة مبكرة يكون العلاج سهلا وممكنا ، أما إذا اهمل وترك ليتطور وينتشر فى الجسد ربما نصل إلى المرحلة التى يكون العلاج فيها غير ذى جدوى وتكون النهاية حتمية، مثل الكثير من شركات ومصانع القطاع العام التى دمرتها ادارات فاشلة وفاسدة ، ولم يعد هناك جدوى من الاصلاح والاستمرار، فكان التوقف عن النشاط والتصفية هما المصير المحتوم .. لماذا وصلنا – وما زلنا نصل – إلى هذة المرحلة فى العديد من المؤسسات المملوكة للدولة ( سواء ملكية مباشرة او غير مباشرة ) ؟ ، اعتقد من وجهة نظرى المتواضعة أن أحد أهم الأسباب هو تداخل الادوار .
حينما يكون الرقيب هو ممثل أصحاب رأس المال فى الجمعيات العمومية ، وهو نفسه الذى يقوم بإختيار وتعيين الادارات التنفيذية ومجالس الادارات ، والذى أيضا تقع عليه مسؤولية تقييم اداء تلك الادارات – فنحن بصدد مشكلة حقيقية تؤدى حتما الى نهايات غير سعيدة ، حتى لو نحينا جانبا المجاملات والمصالح المتبادلة وتوفر عنصر الفساد بصفة عامة فى اختيار القيادات ( وهو وارد جدا ) ،فإن هناك تضارب واضح فى المصالح والأهداف فى تقييم أداء تلك الادارات ناتج عن قيام جهة واحدة بلعب كل الادوار .
وبالتالى يكون من السهل مثلا التستر على الأداء الضعيف للادارة التنفيذية، وفشلها فى تحقيق أهداف أصحاب رأس المال التى تتمثل فى تعظيم الارباح، وتحقيق النمو المستهدف لأن الرقيب – الذى هو نفسه ممثل أصحاب رأس المال – والذى قام باختيار وتعيين تلك الادارة – مقتنع وراضى عن هذا الأداء ، ويستطيع أن يقدم المبررات لذلك الفشل !! ، وتستمر الادارة فى فشلها عام تلو الاخر والتستر على هذا الفشل، ويستمر الخراب وتفشى المرض حتى نصل إلى المرحلة التى يصعب فيها العلاج ، وتكون النهاية الحزينة كتلك التى وصلت اليها العديد من مؤسساتنا ووحداتنا الاقتصادية التى شيعت إلى مثواها الاخير (وان كان البعض منها ما زال مستمراً رغم تراكم الخسائر والمديونيات ،وتآكل رأس المال لأن هناك من يرفض الاعتراف بعدم جدوى استمرارها ويقاوم اتخاذ القرار بتصفيتها )، لو تم تدارك هذا الاخفاق واتخذ القرار المناسب فى الوقت المناسب لكان العلاج سهلا وممكنا وما كنا وصلنا لتلك النهايات الحزينة .
مرة أخرى سوء الاختيار ، التستر على الفشل وايجاد المبررات له ، استمرار المسؤولين الفاشلين والفاسدين فى مواقعهم والتباطوء فى اتخاذ القرار بالتغيير ، اختلال معايير التقييم ، وعدم اعطاء الأهمية الواجبة للنتائج المحققة،……… إلى أخر تلك الأسباب والظواهر، هى التى تمثل عن حق عوامل “صناعة الفشل” .