أعلن وسام حسن فتوح، الأمين العام لاتحاد المصارف العربية،عن إن العالم يعيش اليوم في دوامة من الأزمات المتلاحقة والتي تتسبب بمخاطر كبيرة تطاول الإنسان، والإقتصاد والإستقرار، مشيراً إلى هذه المخاطر التي بدأت تنذر بأزمات عميقة، حيث بات واضحًا أنّ تصاعد التوترات الجغرافية – السياسية، وخصوصًا بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، من شأنه أن يضعف الإستثمار التجاري و يعطّل إمدادات النفط العالمية، وإنّ إحتدام الإضطرابات في كثير من البلدان، وخصوصاً في منطقتنا العربية، يؤدي إلى إضعاف النشاط الإقتصادي، ويُعقّد جهود الإصلاح، وتراجع النمو إلى أقل من المستوى المتوقع، إضافة إلى تفاقم التباطؤ في إقتصادات الأسواق الصاعدة التي أصبحت ضعيفة الأداء نتيجة الضغوط.
تطرق فتوح، خلال كلمته أمام منتدى رؤساء إدارة المخاطر في المصارف العربية، إلى “مكامن الأخطار – الإقتصادية والمالية والمصرفية والجيو سياسية” ، مؤكداً على تأثير الحواجز الجمركية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، ولا سيما الصين على طبيعة الأعمال، وفاقمت التباطؤ الهيكلي الجاري في كثير من الإقتصادات على مدار العام الماضي.
أشار إلى : إذا ما حدث تدهور في العلاقات الإقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي، وفي الروابط التجارية التي تشترك فيها بلدان أخرى، فمن الممكن أنّ تؤدي إلى إنخفاض في الصناعة التمويلية والتجارة، وبالتالي إلى تراجع النمو العالمي.
أضاف أنه وبنتيجة الخلافات التجارية الدولية، وبمعزل عن التأثيرات الكارثية لفيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.1% للعام 2020 وبنسبة 0.2% للعام 2021، موضحاً أن إستمرار الإقتصاد العالمي والإقليمي بالتراجع على ضوء تبعات الأزمات المتلاحقة، إقتصادية كانت أم جيوسياسية، إضافة إلى الحروب التجارية من كل حدب وصوب، وما يشهده العالم اليوم من هلع متمثّل بعاصفة فيروس الكورونا التي بدأت تهدد الإقتصاد العالمي، وخطوط التجارة والسياحة والخدمات وغيرها من القطاعات الإقتصادية العالمية، وطاولت مؤخّراً الصين وأوروبا ودول إقتصادية كبرى.
أكد فتوح أن فيروس كورونا يعرقل حركة النفط العالمية وخفّض الطلب على مصافي التكرير الصينية، كما أدّى هذا الوباء إلى ضرر كبير في صناعة السيارات في الصين وحول العالم، حيث قررت شركات تصنيع سيارات عالمية وقف الإنتاج بمصانعها في الصين بسبب تفشي هذا الفيروس.
كما أدى انتشار الوباء إلى تضرر اقتصادات شرق آسيا بالإجمال، حيث بات التعاون العالمي مطلباً ضرورياً لإحتواء هذا الفيروس وآثاره الإقتصادية، لا سيما إذا تبيّن أنّ هذا الوباء سيتفشى إلى نطاق أطول أمداً وأوسع نطاقاً، وللإستعداد بالقدر الكافي، فإنّ الوقت الحالي هو أنسب وقت للإقرار بالمخاطر المحتملة على الدول الهشّة والبلدان التي تعاني من ضعف نظم الرعاية الصحيّة. وأمام مجمل المخاطر التي تشهدها الإقتصادات العالمية، حذر صندوق النقد الدولي من أن فيروس كورونا قد ينعكس سلباً على نمو الاقتصاد العالمي عام 2020.
أوضح أن الأمر يتوقف على قدرة الصين على احتواء انتشاره، حيث قالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا خلال منتدى المرأة العالمي الذي عقد في دبي في 10 فبراير الماضي، “من الصعب التنبؤ بتداعيات كورونا على إقتصاد الصين والعالم بدقّة في الوقت الحالي”.
وبنتيجة كل ذلك، خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD توقّعاتها لنمو الاقتصاد العالمي بنصف نقطة مئوية، إلى 2.4%، وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008-2009. مع الإشارة إلى إن المنظمة اعتمدت في توقعاتها أن يتراجع تفشي فيروس الكورونا خلال العام الحالي، إلا أنها حذّرت من أن تزايد انتشاره سيؤدي الى إعادة خفض التوقّعات بشكل أكبر. اذ في حال استمر تفشي الفيروس لمدة أطول وأصبح أكثر قوة، فمن المتوقع ان ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 1.5% فقط، ودخول اقتصادات منطقة اليورو واليابان في الركود.
وفي إطار تتبّع إتحاد المصارف العربية، الأخطار التي قد تنعكس على قطاعنا المصرفي العربي نتيجة المستجدات الدولية والإقليمية، قال فتوح إنّ إدارة الدراسات والبحوث في الإتحاد أعدّت دراسة عن تداعيات خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بما أصبح يُعرف بـ”بريكسيت”، حيث تبيّن أنه من المستبعد أن تتأثّر الإستثمارات العربية عامة، والخليجية بشكل خاص، بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، خصوصاً وأن معظم هذه الإستثمارات تتركّز في قطاع العقارات، وأغلبها إستثمارات طويلة الأجل، ولكن من الممكن أن تتأثّر على المدى القصير، بحسب تقديرات بنك إنكلترا المركزي، نتيجة تراجع المؤشرات الإقتصادية، وخاصة قيمة العقارات بحوالي 30%. مع الإشارة إلى أنّ قيمة الإستثمارات الخليجية في بريطانيا تبلغ نحو 200 مليار دولار، يتركّز حوالي 45 ملياراً منها في السوق العقاري.
أمّا بالنسبة لتأثير خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي على المصارف العربية العاملة في بريطانيا، فمن المتوقع أن يكون التأثير محدوداً، حيث تستمر هذه المصارف في عملها بشكل طبيعي، إذ أنها تعمل غالباً لتلبية الإحتياجات التمويلية للشركات العربية والعرب المقيمين في بريطانيا وأوروبا، كما وأن تأثير البريكسيت على القطاع المصرفي العربي سوف يكون محدوداً أيضاً، نظراً لمحدودية إنكشاف المصارف العربية على الجنيه الإسترليني واليورو.
أفاد بأن هذا المنتدى أضحى تقليداً سنوياً يزداد أهميّة في كل عام بفضل ما نلقاه من تعاون وتنسيق من الخبراء العرب والدوليين، كما أصبح منصّة لتبادل الخبرات وعرض التجارب ومناقشة آخر مستجدات إدارة المخاطر، والعمل على تطوير أداء وكفاءة مصرفيينا العرب وتحصين مصارفنا في مواجهة المخاطر، وتعزيز التزامها بمتطلبات لجنة بازل.
كما أن العناوين الرئيسية لهذا المنتدى تهدف إلى الإضاءة على أسباب المراجعة الشاملة للموجودات المتعلقة بالمخاطر، وعلى الإصلاحات الجديدة للجنة بازل الهادفة إلى تعديل المقاربة المعيارية لمخاطر الإئتمان ومخاطر التشغيل، إضافة إلى شرح الإصلاحات المعتمدة في مجال الطريق إلى بازل 4، إضافة إلى التحديات التي تواجه إدارة المخاطر في ظل التحوّل الرقمي للمصارف، وإدارة المخاطر في مواجهة الديون السيادية، وإدارة مخاطر الأمن السيبراني لمواجهة الخسائر المالية، ومخاطر السمعة.
كما دعى المصارف العربية إلى التعامل مع هذه التحديات بطرق ووسائل غير تقليدية وأن لا يكتفوا باجراءات التكيف مع، او التحوط لهذه المخاطر، بل يجب عليهم ان يكونوا مبادرين وخلّاقين ومُبتكرين في مواجهتهم لتلك المخاطر، وان لا يعتمدوا سياسات تجنب المخاطر (de-risking) بل يقوموا بادارة المخاطر بالطريقة الامثل، وان يعمّقوا تعاونهم مع بعضهم البعض، وكل ذلك من أجل البقاء والنمو والاستمرار في تمويل الاقتصادات العربية.