أكد خبراء ومسئولين من القطاع المصرفي، أن الدولة المصرية تبنت خلال السنوات الماضية خطة من أجل ضم الإقتصاد غير الرسمى إلى الإقتصاد الرسمى، وذلك من خلال تكثيف الجهود وإطلاق العديد من المبادرات المختلفة في عدد من القطاعات مثل: مبادرة البنك المركزي للتمويل العقاري ، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ،وكذلك مبادرة الشمول المالي ،بالإضافة إلى تأسيس المجلس القومي للمدفوعات ،وإطلاق بطاقة المدفوعات الوطنيه “ميزة ” لتقليل التعامل النقدي والكاش .
أشاروا إلى أن تلك المجهودات ساهمت في دخول عدد كبير من الفئات التي كانت لا تتعامل مع القطاع المصرفي داخل المنظومة الرسمية , مشيرين إلى أن الأمر ليس سهلاً في التحول الكامل للتعامل النقدي خلال فترة زمنية قصيرة، بل أن الأمر في حاجة لمزيد من الوقت لوجود عدد من التحديات والعوائق لعل أهمها، التوعية والتطور التكنولوجي، وقدرة المنظومة الرسمية في إستيعاب الإقتصاد غير الرسمي دون تخويفه، الأمر الذي لم يعتاد عليه لفترات طويلة.
أضافوا أنه على الرغم من وجود عدد كبير من التحديات والعراقيل التي تقف حائلاً دون التحول الكامل للإقتصاد الرسمي لعدة أسباب، إلا أن الحكومة بالتعاون مع البنك المركزي المصري حققوا نجاحات جيدة خلال الفترة الماضية , مؤكدين أن مصر قادرة على تطبيق كل المنظومات الإلكترونية والمدفوعات خلال الفترة المقبلة .
شريف البحيري , رئيس قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأحد البنوك، قال أن الدولة والبنك المركزي بذلوا مجهودات كبيرة نحو ضم القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، وذلك على مدار السنوات الماضية، وذلك من خلال إطلاق العديد من المبادرات مثل التمويل العقاري والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والشمول المالي .
أوضح أن مبادرة البنك المركزي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة كانت رائعة للغاية ،حيث إستخدم البنك المركزي أداة قوية للغاية لتحفيز نشاط المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهي سعر الفائدة بنسبة 5% ، والتي عملت على حماية صغار المستثمرين من التقلبات في سعر الفائدة , مشيراً إلى أن المبادرة حققت هدف هام للغاية وهو الهدف الأسمى من المبادرة ،حيث عملت على دخول عدد كبير من عملاء القطاع غير الرسمي إلي القطاع الرسمي ،الأمر الذي يؤدي إلى دعم الإقتصاد الوطني .
أضاف البحيرى، أن المبادرة ساعدت على دخول فئة من عملاء القطاع غير الرسمي للقطاع الرسمي، حيث بلغ عدد العملاء من القطاع غير الرسمي الذين دخلوا لمحفظة المشروعات الصغيرة بخلاف متناهية الصغر حوالي 10% بما يقارب 2000 عميل من إجمالي 20 ألف عميل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، موزعة ما بين 18.5 ألف عميل للصغيرة و1500 للمتوسطة .
أيمن محمد , رئيس قطاع التمويل العقاري بالمصرف المتحد ,أكد أن مبادرة البنك المركزي للتمويل العقاري من أهم المبادرات التي أطلقها المركزي، بخلاف المبادرات الأخرى مثل مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم المتعثرين , وتعتبر من العوامل الرئيسية في تعزيز الشمول المالي ، حيث تمثل حافزاً فعالاً لدخول شريحة كبيرة من الأفراد الذين لا يتعاملون مع القطاع المصرفي من قبل ، بما مكنهم من الإستفادة من منتجات وخدمات الجهاز المصرفي المتنوعة.
أضاف محمد، أن المبادرة ساعدت في توفير الوحدات السكنية لعدد كبير من محدودي الدخل، بالإضافة إلى تشييد الوحدات السكنية في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية ، وتم إقامة مجتمعات سكنية جديدة، الأمر الذي ساعد في تنمية عدد من المناطق الصحراوية في عدة مدن ومحافظات ،خاصة محافظات الصعيد وشمال سيناء ، وهي المحافظات التي كانت محرومة في الوقت السابق من إقامة أي تجمعات سكنية.
الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي , قال إن الإقتصاد غير الرسمي أو الإقتصاد الموازي هو أحد أهم الظواهر التي تسعى الدول للقضاء عليها ،وذلك للعديد من الأهداف أهما تحقيق الإستقرار المالي ، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، حيث أظهرت بعض الدراسات أن الدول التي بها إستبعاد مالي Financial Exclusion تعتمد على الخدمات المالية غير الرسمية ، والتي تعد في ذاتها مصدر لعدم الإستقرار المالي، حيث يعتبر الإستبعاد المالي من أهم المخاطر التي تواجه الجهود المبذولة من الدول في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتالي فهناك أهمية لفهم العلاقة بين النزاهة المالية والشمول المالي المؤيد للإستقرار الإقتصادي.
أوضح أن الشمول المالي “Financial Inclusion” يعد أحد الآليات التي تتبناها الدول لضم الإقتصاد الموازي أو الخفي للإقتصاد الرسمي، وذلك لتحسين المستوى المعيشي للأفراد والمؤسسات والقضاء على الفقر، ويرجع أول ظهور لمصطلح الشمول المالي في دراسة عام 1993 ، والتي تناولت أثر إغلاق أحد البنوك في جنوب شرق إنجلترا على قدرة سكان المنطقة للوصول للخدمات المصرفية.
أشار إلى أن الشمول المالي يساهم فى توفير الخدمات المالية للطبقات الفقيرة بشكل دائم وبتكلفة يمكن تحملها، بهدف دمج هذه الشريحة من المجتمع في الإقتصاد الرسمي وفقاً لتقرير الأمم المتحدة United Nations ، ويلعب الشمول المالي دوراً هاماً في دعم الجانب المالي والاقتصادي بالدولة ، والذي يعد من أهم الجوانب التي تهتم بها الدول لدعم كافة الجوانب الاجتماعية والصحية والتعليمية ، والتي ستساهم في مجملها في تحسين الأوضاع العامة للمواطنين والوضع الاقتصادي للدولة .
أكد شوقي، أن تطبيق الشمول المالي يتطلب وجود استقرار مالي , لافتاً إلى أنه من الصعب إستمرار الإستقرار المالي مع وجود نسبة كبيرة وتتزايد من المجتمع والقطاع الإقتصادي التي لا تزال مستبعدة من الناحية المالية ( مثل سكان المناطق الريفية، ومجموعة من الأقل حظا في المناطق الحضرية الفقيرة، والفقراء أو محدودي الدخل) ، حيث يقدر نسبة المصريين الذي لديهم تعاملات بنكية 33% وفقاً لتقرير ” فيندكس” عن مستوى الشمول المالي في مصر .
هاني عادل الخبير المصرفي , أوضح أن ضم الإقتصاد غير الرسمي أو ما يسمى بالإقتصاد الموازى لقنوات الإقتصاد الرسمي، أمراً قد يبدو ظاهرياً سهل تنفيذه إلا أنها عملية معقدة للغاية خصوصا في المجتمع المصري , مشيراً إلى أن الإقتصاد الموازى هو الأغلب والأكثر انتشاراً ،نظراً لإعتماد المجتمع المصري بصورة رئيسية على التعاملات النقدية في معاملاته المالية، بالإضافة لعدم وجود حصر رسمي للكثير من الأنشطة الإقتصادية العاملة بالسوق المحلي ، فضلاً عن ممارسة كثير من التجار والمهنيين الحرفيين للعمل دون ترخيص رسمي للتهرب من دفع الضرائب.
أوضح أن هناك عدة تحديات تعيق عملية دمج الإقتصاد غير الرسمي بالإقتصاد الرسمي للدولة ،وتتمثل تلك التحديات في الدفع النقدى وإجراءات تأسيس الشركات والإنتشار التكنولوجي و التوعية .
أضاف عادل، أن الدولة بمختلف مؤسساتها تخطو بقوة نحو تسريع عملية التحول لمجتمع أقل اعتماد على التعاملات النقدية ، ولعل تأسيس المجلس القومى للمدفوعات بتوجه من الرئيس عبدالفتاح السيسي، أكبر دليل على إهتمام الدولة وحرصها على دعم عملية التحول إلى مجتمع لا نقدي ، وهو ما يتجلى من قرارات وتوجهات البنك المركزى من مبادرات لتعزيز الشمول المالي ، بالإضافة لجهود القطاع المصرفي لطرح منتجات وخدمات مصرفية لمختلف فئات المجتمع.
أوضح أن الأمر يحتاج بعض الوقت لتظهر نتائجه إلا أن إصدار قانون المدفوعات غير النقدية والذي صدر أبريل الماضي، يمكن أن يحدث تطور قوي وملحوظ في الفترة القادمه , بالإضافة إلى إطلاق شبكة المدفوعات الوطنيه “ميزة” والتى من المتوقع أن تحدث فارق كبير في حجم المدفوعات الإلكترونيه، نظراً لإنخفاض تكلفة إجراء المعاملة من خلالها.
وفيما يخص بالتحدي الثاني وهو إجراءات تأسيس الشركات ، فقد قامت وزارة الإستثمار بمجهود كبير لتطوير منظومة تأسيس الشركات ، وأصبح من السهل على أى مستثمر مهما كان حجم مشروعه أن يؤسس شركته في يوم واحد ومن خلال نافذه واحده ينهى من خلالها كافة الإجراءات .
أشار إلى أن التجارب العالمية في كثير من الدول أكدت أن التكنولوجيا المالية هى الطريق الأسهل نحو تعزيزالشمول المالي ودعم المشروعات الصغيرة , لافتاً إلى أن البنوك تحرص على تطوير آليات تقديم خدماتها المالية والمصرفية معتمدة على تقنيات التكنولوجيا المالية ،وتشاركها في هذا المجال شركات الإتصالات ،وشركات تقديم خدمات الدفع الالكتروني.