الخميس , 21 نوفمبر 2024

د. نجاة مرعى تكتب :مستقبل الوظائف بعد «كوفيد 19»

كتب د. نجاة مرعي

 

علي الرغم من الاضطراب الذي أحدثه فيروس كورونا في العالم إلا أنها كانت فرصة للإسراع في عملية التحول الرقمي في القطاعات المختلفة، ففيروس كورونا مثله مثل أي أزمة تهز العالم، وعلى الحكومات في الدول العربية الاستفادة من هذه الأزمة وإدارتها بشكل جيد من خلال تبني التعليم عن بعد، والعمل عن بعد لبعض الأعمالمنها التسويق، التمويل، البرمجة، التصميم، خدمة العملاء، فالعمل عن بعد يمثل سوق واعدةللقضاء علي البطالة وزيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف وتحقيق تكافؤ فرص العمل، وزيادة الابتكار، وتعزيز آليات الاقتصاد الرقمي.

ولقد طبقت الدول العديد من الإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، وترتب علي ذلكالزام قطاعات العمل على التحول إلى الرقمنة وممارسة بعض المهام والوظائف عن بعد، ولاحظنا أن الدول والمؤسسات التي لديها بنية تحتية تكنولوجية جيدة هي فقط من استمرت في ظل الأزمة واستطاعت أن تطبق سياسات العمل عن بعد بكفاءة. ولقد صرحت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية أن الدول العربية في عام 2020 ستفقد 1.7 مليون وظيفة بسبب فيروس كورونا، والإحصاءات العالمية تؤكد اختفاء 35% من الوظائف المعروفة خلال العشر سنوات القادمة، واختفاء 45% منها خلال 25 عاماً نتيجة التطور التكنولوجي.

ومن الواضح تأثير تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة على كافة قطاعات الدولة ومنها الصحة والأمن والأعمال والمال والتعليم. وأن التحولات الرقمية أصبحت أوضح وأكثر تجلياً، وأنها ضرورة وليس اختيار، وأكدت شركة الأبحاث“Global Workplace Analytics”أن نسبة عدد العاملين عن بعد من المنزل ارتفعت العام الحالي بنسبة 140% عالمياً مقارنة بعام 2005، وأشارت شركة تطوير نظم مؤتمرات الفيديو “أوللابس” أن 16% من الشركات في العالم الان توظف العاملين عن بعد، أما منصة العمل عن بعد “أب ورك” فتتوقع أن تشغّل 73% من الإدارات في العالم موظفين عن بعد بحلول عام 2028، كل ذلك يدفعنا للتساؤل: ما هي وظائف المستقبل؟

ومن قلب الأزمة وبالنظر إلي المستقبل نجد أنشبابنا وابنائنا سيواجهون عالمًا جديدًا تنفتح فيه آفاقًا جديدة للتوظيف،وأن أزمة كورونا والثورة الرقمية ستسهم بشكل مباشر في زيادة الطلب علي وظائف معينة أو إيجاد تخصصات ووظائف جديدة لم تكن معروفة من قبل، ومن أهم الوظائف التي ستكون مطلوبةتلك المهن المرتبطة بالطب والرعاية الصحية، وريادة الاعمال والتكنولوجيا، والبتروكيماويات، وسلسلة التوريد واللوجستيات، والتسويق الرقمي، والوظائف المرتبطة بالاقتصاد الأخضر ومواجهة التغير المناخي، وأيضاً ستظهر وظائف جديدة مرتبطة بالبيانات الضخمة مثل علماء بيانات، محققون ووسطاء في مجال البيانات، مستخرجو ومحللو ومراقبو البيانات، أخصائيون في الجانب القيمي أو الأخلاقي لحفظ البيانات واستخدامها، وكلاء الائتمان الخاص بالبيانات. وتلك المرتبطة بطواقم العمل الخاصة لقيادة الطائرات بدون طيار نظراً لزيادة انتشارها في عام 2040، نذكر منها موظفو مركز قيادة الطائرات بدون طيار، مهندسو النظم الطائرة، مصممو ومبرمجو الطائرات بدون طيار، مشغلو أجهزة الاستشعار.وكذلكوظائف مرتبطة بالصحة الشخصية مثل أخصائيون في مجال التحفيز العصبي للدماغ، مصممون ومهندسون في مجال التعديل الجيني. والمهن المرتبطة بالروبوتات مثل صيانة ومراقبة الروبوتات، تقنيو تشغيل ومبرمجو الروبوتات، استشاريون في مراعاة أخلاقيات بناء الروبوتات، جرّاح التّجميل للرّوبوتات، مطورو مهارات التواصل للروبوتات، منظمو عروض وفعاليات للروبوتات. وعلي سبيل المثال رأينا كيف أدارت الصين أزمة كورونا بالاعتماد على الروبوتات؛ حيث إنها ليست عرضة للإصابة بالفيروسات؛ سواء تم استخدامها في العناصر الحيوية في نظام الرعاية الصحية، أو تشغيل المصانع، مما يجعلها تلعب دورًا مهمًا في عالم ما بعد “فيروس كورونا” أو أثناء وجود أي أزمة أخرى في المستقبل.

لذا يجب التركيز عليالاستثمار في تنمية العقول وتعزيز قدرات البشر بأنظمة ذكية، بحيث يصبحون قادرين على تأدية وظائفهم بكفاءة عالية، ومع التطورات المذهلة التي شهدتها أنظمة الذكاء الاصطناعي ازداد الطلب كثيرًا على مواهب قادرة على تحقيق أقصى استفادة من أنظمة الذكاء الاصطناعي في تعزيز القدرات البشرية. الأمر الذي فتح المجال أمام ظهور فرص وظيفية جديدة، ومن أهمها: مدربون ومشرفون مستقلون معززون بقدرات الذكاء الاصطناعي، كتاب وموسيقيون وفنانون معززون بقدرات الذكاء الاصطناعي، محاسبون معززون بقدرات الذكاء الاصطناعي، وخبراء في الأمن الإلكتروني معززون بقدرات الذكاء الاصطناعي.

وستظهر وظائف جديدة أخري مرتبطة بالسيارات ذاتية القيادة، وتكنولوجيا البلوكتشين، مهندسو تصميم ومشرفة أنظمة الاستشعار، الطباعة ثلاثية الأبعاد، العملات الرقمية المشفرة، قطاع الفضاء والتعدين الفضائي، توليد الطاقة عن طريق الاندماج النووي، الطب الجينومي، أنظمة التنقل الذكي عبر الانابيب يطلق عليها الهايبرلوب، الحوسبة الكمومية، تكنولوجيا إنترنت الأشياء والمنازل المؤتمتة، أنظمة التعلم الذكي القائمة علي الروبوتات التعليمية المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وغيرها من التخصصات المطلوبة في المستقبل.

وفي النهاية.. نجحت جائحة كورونا في أعادت تركيز عقول القادة العالميين على القيمة الأساسية للحياة والإمكانات البشرية، فهي فرصة للاستثمار في أكثر أصولنا قيمة (رأسالمال البشري)، لذا فمن الضروري أن تواكب المؤسسات التغيرات التكنولوجية، وأن يستثمر أصحاب العمل في إعادة تدريب الموظفين وتنمية مهاراتهم وتعليمهم مهارات جديدة لإعدادهم بشكل أفضل لاقتصاد ما بعد الجائحة،وعلي الشباب مسئولية تنمية مهاراتهم ذاتياً من خلال المنصات الالكترونية واكتساب مهارات جديدة للتحرك الي العالم الرقمي من أجل إدارة وتسيير العمليات الرقمية، فأنتم شباب طموح متمكن في أمة صامدة، ونري فيكم فرص مستقبلية واعدة، وعلى قدر من التحدي والمسئولية، تتمتعون بالأبداع والشغف ولديكم هدف واضح وحافز قوي، ولديكم القدرة على مواكبة التغيرات العالمية واستحداث وظائف المستقبل، وعلي الجامعات مواكبة تلك التغيرات المعرفية والتكنولوجية وتطوير التعليم لتستطيع مواجهة تحديات المستقبل وتوفير تخصصات نوعية حيوية ملائمة للغد، وذلك من خلال إدخال تحسينات طويلة الأجل على مكونات العملية التعليمية التعلمية، والاستفادة من الخبرات العالمية والتكنولوجية بأكبر قدر ممكن بهدف تلبية احتياجات ودعم سوق العمل المستقبلي، وإعداد خريجين يتميزوا بالمعرفة والابتكار والريادة وقادرين علي المنافسة فيالسوق المحلية والدولية وفق رؤية مصر 2030 ودفع عجلة التنمية الشاملة، فمعركتنا الآن معركة بناء وسلام مستمرة وستبقى ومستقبلنا واعد بإذن الله.

شاهد أيضاً

محمد النجار يكتب لـ بنوك اليوم : التضخم من جديد !

  ليس هناك عدو للإقتصاد ألد من التضخم ، ولذلك تضع البنوك المركزية في العالم …