أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً معلوماتياً تحت عنوان “الاقتصاد الرقمي” تناول خلاله مفهوم وتطبيقات الإعلام الرقمي، والتجارب الدولية في مجال الاقتصاد الرقمي، وأهم المؤشرات الإقليمية والدولية المتعلقة به، والمقالات التي تتناوله.
قال مركز المعلومات فى تقرير حديث ، أن الاقتصاد الرقمي قد أصبح- مع التقنيات الرقمية التي تدعم المزيد من المعاملات ، وأبرزها تقنيات الـ blockchain ، والطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والأتمتة والروبوتات والذكاء الاصطناعي- لا ينفصل عن أداء الاقتصاد ككل، واتضحت أهميته الماسة بعد تفشي فيروس كورونا، والآثار الاقتصادية التي سببها، حيث كانت الدول قد قطعت بالفعل أشواطًا جيدة في هذا المجال، ولكن بعد الجائحة أصبح الأمر ضرورة ملحة، فالاقتصاديات التي اعتمدت على التحول الرقمي بشكل أكبر كان تعاملها مع الجائحة أفضل، لذلك؛ فإن الدول التي تريد تحقيق اقتصاد مستدام يجب عليها التحول نحو الرقمية.
أضاف في تقريره ، أن أحد الدراسات بدولة الهند قد أشارت إلى أنه من المتوقع أن يرتفع الاقتصاد الرقمي الاستهلاكي إلى 800 مليار دولار بحلول عام 2030 وذلك بعد أن كان يتراوح بين 85 و 90 مليار دولار في 2020، كما أن حجم الاقتصاد الرقمي الاستهلاكي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيرتفع بأكثر من الضعف من حوالى 40- 45 مليار دولار عام 2020، إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2023 وذلك نتيجة التحول الرقمي السريع في مجالات السفر وخدمات الأطعمة والمشروبات والتعليم، ومن المتوقع أن 70% من القيمة الجديدة المضافة للاقتصاد سوف تستند إلى نماذج عمل لمنصات ممكَّنة رقمياً خلال العقد القادم.
أشار إلى تجربة التحول الرقمي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مشيراً إلى أن دول المنظمة تعمل على تعزيز نهجها الاستراتيجي لسياسة التحول الرقمي، ويتضح ذلك من كون 34 دولة بالمنظمة لديها استراتيجية رقمية وطنية لتعزيز تنسيق السياسات على أعلى مستويات الحكومة، وبحلول منتصف 2020 كان لدى 24 دولة منهم استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، ومنذ عام 2017 أصدرت العديد من دول المنظمة استراتيجيات رقمية لتكنولوجيا الجيل الخامس.
أكد التقرير، أن خدمات الهاتف المحمول قد شهدت تطوراً كبيراً في الدول العربية خلال العقدين الماضيين، لاسيما في ضوء اتجاه بعض الدول إلى تحرير أسواق الاتصالات، ودخول عدد من شركات القطاع الخاص إلى السوق، وبناء عليه ارتفع عدد الاشتراكات النشطة لخدمات الهاتف المحمول لكل مائة من السكان في الدول العربية من 7.8 اشتراكات في عام 2010 إلى 60 اشتراكًا في عام 2020، وعلى نطاق خدمات الإنترنت، فقد شهدت الدول العربية تطورًا ملموسًا من خلال أجهزة الحاسب الثابتة أو المحمولة أو حتى من خلال الخدمات الجوالة، وهو ما ساهم في ارتفاع نسبة الأفراد المستخدمين للإنترنت من 8.3% في عام 2005 إلى حوالي 55% في عام 2019 ليفوق بقليل المتوسط العالمي البالغ 52.4%، إلا أن الفجوة الرقمية بين الريف والحضر والإناث والذكور فيما يتعلق بالنفاذ إلى خدمات الإنترنت تعد من بين أهم التحديات التي تواجه الدول العربية على صعيد تطور الاقتصاد الرقمي.
وعلى مستوى المساهمة الاقتصادية للاقتصاد الرقمي بالدول العربية، أشار التقرير إلى تباين مستوى مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية؛ لتسجل أعلى مستوى لها في الأردن بنسبة تقدر بنحو 12.2% عام 2019، تليها كل من الإمارات والبحرين بمساهمة تقدر بحوالي 8% لكل منهما، ثم الكويت ومصر بنسبة 5 و4.4% على التوالي.
ذكر قائلاً : تقاس المساهمة الاقتصادية للاقتصاد الرقمي من واقع مساهمة سلع وخدمات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في التجارة الدولية؛ حيث تشير إحصاءات برنامج الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى أن هذه النسبة تشكل على المستوى العالمي نحو 12.5% من إجمالي التجارة الدولية في عام 2019، في حين أنها تمثل 3.8% فقط في الدول العربية من إجمالي تجارتها الدولية، كما تعتبر نسبة مساهمة الصادرات عالية التقنية من مجمل الصادرات السلعية مؤشرًا آخر لمستوى تطور الاقتصاد الرقمي، وفي هذا الصدد تشير البيانات إلى تصدر الإمارات الدولَ العربية في هذا المؤشر بحصة تقدر بنحو 13.6%، تليها السعودية والكويت ومصر بنحو 9.6% و9.5% و9.4% على التوالي.
استعرض المركز من خلال تقريره العديد من تجارب الدول في مجال التحول نحو الاقتصاد الرقمي ومنها الصين وفنلندا والإمارات العربية المتحدة وكوريا الجنوبية، موضحاً أسباب تفوقهم، وتأثير نمو الاقتصاد الرقمي في تعزيز قدرتهم التنافسية في مختلف المجالات.
يأتى ذلك فى الوقت الذى أصدر فيه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً حول السياحة والسفر، مشيراً إلى أن قطاع السياحة والسفر يعد من أكثر القطاعات تضررًا من جائحة كورونا؛ فقد عانى من خسارة تصل إلى 4.7 تريليونات دولار أمريكي في عام 2020، وقد انخفضت مساهمته إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2020 مقارنة بنحو 10.4% عام 2019 بسبب القيود المستمرة على التنقل، وانخفض إنفاق الزوار المحليين بنسبة 45%، بينما انخفض إنفاق الزوار الدوليين بنسبة غير مسبوقة بلغت 69.4% في عام 2020، كما تم فقدان 62 مليون وظيفة في قطاع السياحة عام 2020، ولا يزال خطر فقدان الوظائف قائمًا إلى أن يتم التعافي الكامل لقطاع السفر والسياحة.
أضاف، أن القيود التي تم فرضها خلال الجائحة قد دفعت إلى التفكير في حلول مختلفة لمحاولة إنعاش قطاع السياحة؛ حيث تغيرت أنماط وتفضيلات الأفراد خلال الوباء، فقبل انتشار فيروس كورونا المستجد، كان استكشاف المدن المزدحمة والتجول في الأسواق الصاخبة وزيارة الأماكن السياحية المشهورة هي السمات المميزة لقضاء العطلات، ولكن انقلب الحال، فعالم ما بعد فيروس كورونا، أصبح فيه المسافرون أكثر إدراكًا لحاجتهم إلى السفر نحو وجهات تؤمن وتطبق مفهوم الحفاظ على ممارسات التباعد الاجتماعي، وكذلك يحتاج منظمو الرحلات إلى الإبداع من خلال تصميم مسارات رحلات تتجنب المناطق السياحية المزدحمة، والتركيز على المواقع النائية؛ حيث يقل احتمال اتصال المسافرين بالآخرين.
وقد كان الوباء عاملًا مساعدًا في سعي قطاع السفر والسياحة إلى الابتكار ودمج التقنيات الجديدة، بسبب قيود التنقل، وبقاء الأفراد في منازلهم، وتزايد الاعتماد على الخدمات الرقمية، وقد تم استخدام الواقع الافتراضي للترويج للسياحة خلال فترة الوباء، وهو عبارة عن صور تفاعلية ومقاطع فيديو تمكن المُشاهِد من استكشاف المَشهد بزاوية رؤية تبلغ 360 درجة، ويمكن استخدام الواقع الافتراضي في السياحة والسفر للتجول في الوجهات السياحية بطريقة فريدة؛ حيث يسمح باستكشاف أماكن جديدة دون السفر فعليًّا إلى هناك، كما يتيح للزائرين أيضًا تجربة الوجهات البعيدة، أو التي يصعب الوصول إليها، أو التي تحتاج إلى الحفاظ عليها.
كذلك بفضل الجولات الافتراضية، يمكن للأشخاص التحقق من الفنادق بمزيد من التفاصيل قبل الحجز، ويتبنى العديد من المنتجعات الراقية الآن الجولات الافتراضية كوسيلة لعرض مميزاتها ووسائل الراحة، ويمكن تجربة العديد من هذه الجولات باستخدام الهاتف الذكي أو الكمبيوتر فقط.
وقد ساعدت رحلات الواقع الافتراضي تشجيع الحجوزات؛ حيث يكون العميل أكثر ميلًا لحجز إجازة بمجرد تجربة الرحلات المتاحة عبر الواقع الافتراضي، فعلى سبيل المثال: جرب وكيل السفر البريطاني “توماس كوك” تجارب واقع افتراضي سمحت للعملاء بتجربة رحلات استكشافية مختلفة، بما في ذلك جولة بطائرة هليكوبتر في مانهاتن، ما أدى إلى زيادة بنسبة 190% في حجوزات إجازات نيويورك بعد أن جرب العملاء تجربة نيويورك VR التي مدتها خمس دقائق في المتجر، كما تم استخدام المنتزهات الوطنية مثل “يلوستون ” وأكثر من 2000 متحف من جميع أنحاء العالم، بالتعاون معGoogle Cultural Institute، عبر الإنترنت بالفعل من خلال الواقع الافتراضي، وكذلك بدأ العديد من سلاسل الفنادق والمطاعم وحتى شركات الطيران في مشاركة الوصفات الكلاسيكية عبر الإنترنت للتواصل مع المسافرين من خلال تذكيرهم بالمأكولات المفضلة، مثل: stroopwafels من United Airline.
أشار إلى أن هدف شركات السياحة من تقديم التجارب الافتراضية هو إعادة إلهام المسافرين، وإعادة تشغيل قطاع السياحة والسفر؛ حيث سيساعدهم الإلهام لاستكشاف وجهتهم بمجرد رفع قيود السفر، وقد دفع ظهور السياحة الافتراضية البعض إلى التكهن من إمكانية أن تحل محل السياحة الحقيقية، خاصة مع التطور الكبير الذي طرأ على تقنيات الواقع الافتراضي؛ إذ أعلنت -مؤخرًا- شركة فيسبوك عن “الميتافيرس” وهو مزيج من عناصر تقنية متعددة كالواقع الافتراضي والواقع المعزز والفيديوهات التي «يعيش» عبرها المستخدمون في عالم رقمي، فهو المكان الذي سيجتمع فيه العالَمان: المادي والرقمي. ويرى “مارك زوكربيرج” أن الميتافيرس قادر على الحلول محل إنترنت الهاتف المحمول؛ حيث سيتيح إنترنت أكثر تعمقًا وتجسيدًا، إذ سيستطيع المستخدمون الحضور في قلب التجربة، وليس مشاهدتها فقط، وذلك عبر سماعات الرأس Oculus VR من Facebook. إلا أنه لا يُمكن أن ينافس السفر الافتراضي أبدًا المشاهد والأصوات والروائح والأحاسيس التي تكون في مكان جديد، ولكن هناك بالتأكيد قيمة في أن نكون قادرين على استكشاف أجزاء من العالم افتراضيًّا للتحقق منها قبل أن نقرر ما إذا كنا سنسافر إلى هناك في الحياة الواقعية.