يبدو أن البورصة المصرية أصبحت أكثر قدرة وأقل تأثراً، بالكوارث الخارجية وهزات البورصات العالمية ، حيث نجحت فى إستعادة نشاطها وكانت أكثر تماسكاً أمام مذبحة الأسهم التى شهدتها أسواق الأسهم الأمريكية مؤخراً .
صُرع العالم يوم الثلاثاء السادس من فبراير الحالى ، بصفعة مالية جديدة، وحالة من الإرباك هبت على أسواق الأسهم الأمريكية، بعد هبوط حاد أخذ معه البورصات العالمية لأسفل، فى أسوأ يوم للتداول في البورصات العالمية، مما جعل بعض التقارير الصحفية تصف ما حدث بأنه حمام دم للأسهم الأمريكية.
بعدما خسرت أسواق الأسهم الأمريكية المكاسب التي تحققت في عام 2018 في غضون دقائق خلال جلستين فقط ، فقد أوضح حمام الدم لقيم الأسهم الأمريكية، أنّ مؤشر داو جونز الصناعي، يُعاني حاليُا من أكبر انخفاض يومي في تاريخه منذ 122 عامًا.
وذلك بعد أقل من أسبوعين على ذروة تاريخية سجلها مؤشرات وول ستريت، بدأ عام 2018 بشكل إيجابي، مع تسجيل مؤشرات البورصات مستويات قياسية متتالية في نيويورك.
مما يُعيد للأذهان ما حدث مُنذ قرابة 10 سنوات، مع بداية الأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم في نهاية 2008، عقب انهيار بنك ليمان براذرز، لنشهد من مرة أخرى ” الثلاثاء الأسود ” القادم من الولايات المُتحدة وهو يضرب العالم، ليتساءَل الجميع إلى أين سيصل التراجع؟
وقد شهدت الأسواق العالمية انخفاضًا حادًا هذا الشهر، مع قلق المستثمرين بشأن تأثير ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وسادت حالة من الهلع بين المستثمرين إثر هبوط حاد في البورصات العالمية، عقب الخسائر الكبيرة التي منيت بها بورصة وول ستريت الأمريكية.
فقد هوى مؤشر داو جونز الصناعي في البورصة الأميركية في تعاملات متقلبة ليل الاثنين – الثلاثاء 6 فبراير الحالى ، خاسرًا 1600 نقطة، ليهبط إلى أدنى مستوياته في الجلسة، ويفقد بذلك في يوم واحد كافة المكاسب التي سجلها خلال عام كامل، مُحققًا أكبر هبوط من حيث عدد النقاط خلال يوم واحد في تاريخه، علمًا بأنّ المؤشر لم يغلق أبدًا مسجلًا هذه الخسائر من قبل.
وذلك في أسوأ تراجع منذ عام 2008، وهو ما يتجاوز الانخفاض التاريخي الذي مُني به المؤشر أثناء الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حين هوى 777.68 نقطة، عقب أن تخطت خسائره المستوى القياسي السابق للهبوط على أساس النقاط، والمسجل في 29 سبتمبر 2008، بعد فشل الكونجرس في تمرير النسخة الأولى من برنامج الإنقاذ ” تارب”.
فيما شهدت أسواق الأسهم العالمية الأوربية والآسيوية والعربية موجة تراجع وهبوط حاد متأثرة بهبوط وول ستريت العنيف، كما أدى الهبوط الحاد في أسواق الأسهم الأميركية إلى خسارة أغنى 500 ثري في العالم ، مدرجين على مؤشر ” بلومبرغ للمليارديرات” نحو 114 مليار دولار في يوم واحد.
امتدت الخسائر إلى أسواق النفط العالمية، في المقابل ارتفعت أسعار الذهب مع توجه المستثمرين نحو ملاذات آمنة، في ظل تهاوي سوق الأسهم، كما طالت الصفعة المالية العملات الرقمية، بحدوث تراجع جماعي لها، وعلى رأسها بيتكوين ليهبط سعرها بشكل مفاجئ مسجلةً ستة آلاف دولار، وسط تحذيرات من انهيار أسعار العملات الرقمية، واحتمالية هبوط بيتكوين إلى الصفر، والتأكيد على ضرورة استعداد البنوك المركزية للتدخل من أجل الحد من المخاطر الناجمة عن العملات الرقمية التي تشكل مخططات احتيالية.
وعلى عكس ما حدث في بداية اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008، فإنّ تراجع الأسواق العالمية، وتزايد مخاوف المستثمرين، جاء هذه المرة نتيجة الأخبار والبيانات الجيدة عن الاقتصاد الأمريكي! مع انتعاش النمو الاقتصادي وتدني معدل البطالة إلى مستوى تاريخي مُنذ 17 عام، وارتفاع رواتب العمال الأمريكيين، والتي كانت بنسبة أكثر مما هو متوقع في شهر يناير، وهذا هو سبب توتر الأسواق.
حيث أصدرت وزارة العمل الأميركية مؤخراً ن التقرير الشهري لبيانات التوظيف، التي أظهرت تحسُن جيد في مُعدلات الأجور والتوظيف في الولايات المُتحدة، ووصول مُعدلات البطالة لأقل حد مُمكن، ونمو أكبر من المتوقع بوتيرة مُتسارعة مُنذ عام 2009، في الأجور بالولايات المتحدة لشهر يناير.
ما يعني ارتفاع رواتب الموظفين، بالتالي مؤشر على أنّهم سينفقون أكثر، ومن ثم يرتفع التضخم في البلاد، ويؤثر على تكلفة الاقتراض، وعلى أداء الشركات في الفترة المقبلة، وهو ما سيدفع المركزي الأميركي لمزيد من الرفع في أسعار الفائدة، مما أشعل المخاوف من تشديد السياسة النقدية الأميركية بوتيرة أسرع من المتوقع.
وهو الأمر الذي أثار مخاوف المستثمرين، الذين كانوا يتوقعون أن يرفع البنك الفائدة مرتين أو ثلاث مرات فقط خلال العام، أمّا الآن ومع الانتعاش والنمو الاقتصادي يتوقعون رفع سعر الفائدة أكثر من هذا.
بعدما دفع تحسن للاقتصاد العالمي البنوك المركزية في أوروبا وكندا ومناطق أخرى إلى التخفيف من سياسات وُضعت لتحفيز الاقتصاد في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008.
ففي مثل هذه الظروف، فإنّ البنك المركزي لم يعد يحتاج مواصلة سياسته الخاصة والتي يعتمدها مُنذ عدة أعوام، بالمحافظة على نسب فوائد ضعيفة، وسيلجأ لرفع الفائدة، مما سيصعب عملية الاقتراض المالي. مع وضع حد للحصول على المال السهل، وهذا ما يقلق المستثمرين، ويُثير من حفيظتهم.
وهو ما يتزامن مع تعيين جيروم بول، كرئيس جديد للبنك المركزي الأمريكي، من خلفية مصرفية وليس شخصية اقتصادية، مع وجود تكهنات حول لجؤه لرفع مُعدلات الفائدة لمواجهة أثر التضخم.
فإن كان الإعلان عن زيادة كبيرة في الأجور يشكل نبأً سارًا للاقتصاد الأمريكي، إلّا أنّه انعكس بشكل مدمر على الأسواق، حيث أحيا المخاوف من حدوث أزمة مالية؛ جراء زيادة الإنفاق، وتبدد الوضع بشكل مُفاجئ، وهو ما انعكس بشكل مدمر على الأسواق.
تظافر ما حدث من موجة هلع مع أفعال ترامبية مُتهورة، فقُبيل ما يزيد عن أسبوع نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نشر مذكرةً يوجه بموجبها الاتهام إلى مكتب التحقيقات الفدرالي، وذلك كذريعة من ترامب لإقالة المسؤولين الرئيسيين عن تحقيق يتعلق بالتدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية لسنة 2016، مما يوحي بقدوم أزمة مؤسسية أمريكية، في خطوة لم يطمئن لها المستثمرون.
ولكن نبرة البيت الأبيض كانت موضوعيةً بشكل مفاجئ وغير معتاد، وسعى لطمأنة الأسواق، فقد أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أنّ سياسة ترامب تركز بالدرجة الأولى على البيانات الاقتصادية الأساسية بعيدة المدى، والتي لا تزال قويةً بشكل غير معتاد، وذلك بحسب وصفها.
وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 800 نقطة في 10 دقائق فقط، في حين أرجع البعض هذا التراجع الذي حدث إلى برامج البيع الآلية، أصبح جزء كبير من التداول أسواق الأسهم يوجه من خلال برامج حاسوبية، ما يعني أنّ التداول تجري بشكل ذاتي، حيث يتم خلاله برمجة الحواسيب لتداول عدد كبير من الأسهم بسرعة لا تصدق.
فعندما تتجاوز بعض الأسهم حاجزًا معينًا من السعر، فإنّ برامج ” التداول الخوارزمي” تتخلى عن أسهم أخرى في السوق، وتبدأ في بيع الأسهم تلقائيًا، ما يزيد في تدني أسعار الأسهم، وفرصة حدوث انهيار مُفاجئ.
ولعل هذا السيناريو يعيد إلى الإذهان ما يعرف بـ ” الثلاثاء الأسود”، منذ 30 عاماً مضت ، وهو اليوم الذي شهدت فيه أسواق الأسهم العالمية أكبر تراجع يومي في تاريخها، واحتار المحللون في تفسير السبب الرئيسي وراء الانهيار الذي لاحق أسواق الأسهم في 19 أكتوبر عام 1987، خاصة وأن وسائل الإعلام لم تذع أنباءً سلبية في عطلة نهاية الأسبوع.