أكد عدد من خبراء البنوك والمصرفيين أن لجنة السياسة النقدية لم تتجه للاعتماد على أداة رفع أسعار الفائدة خلال إجتماع لجنة السياسة النقدية الأخير، وبالتالى قامت بتثبيت أسعار العائد ، وذلك على الرغم من قرار الاحتياطى الفيدرالى برفع أسعار الفائدة بنسبة 0.25% .
أضافوا، أن إتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.25% بما يعادل 25 نقطة أساس في الاجتماع الأخير ، لن يؤثر بشكل كبير على الأوضاع بالسوق المحلية ، وبوجه عام هناك اتجاه للاحتفاظ بالعملة الأمريكية بالسوق .
أوضحوا، أن إتجاه المركزى الأمريكى للاستمرار فى سياسة رفع أسعار الفائدة لم يعد يأتى بجديد على المستوى العالمى أو الدولى ، بل لا تزال الضغوط التضخمية متزايدة بسبب استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية .
يأتى ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي الاتحادي الأمريكي، رفع أسعار الفائدة الأمريكية بنحو 0.25% أو 25 نقطة أساس وفق التوقعات، عن اجتماع شهر مايو 2023، وسط توقعات بأن يبدأ البنك سلسلة تثبيت لأسعار الفائدة المرحلة المقبلة.
وبذلك رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة الأمريكية إلى مستوى 5% و5.25% على التوالي، وهو أعلى مستوى مسجل منذ 2007 قبل الأزمة المصرفية العالمية، التي حصلت بسبب انهيار بنوك أمريكية مثلما حدث الأيام الماضية، حيث كانت توقعات الأسواق تشير إلى أن 95% من المستثمرين يتوقعون رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بنسبة 0.25% في اجتماعه الحالي.
محمد عبد العال الخبير المصرفى، قال أننا نعيش في أوضاع اقتصادية قاسية ، ونعاني من معدل تضخم غير مسبوق يكون رد فعل السلطة النقدية في معظم دول العالم هو استخدام أهم وأشهر أداة لمقاومة التضخم ، وهي رفع الفائدة.
أشار إلى أن هذا ما تم عبر تعاقب الأزمات في الثلاث سنوات الأخيرة ، بما فيها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، كما تم استخدام تلك الأداة في مصر مع بداية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وتداعيات جائحة كورونا ، وأيضاً لإحتواء التضخم الذي ساد مرحلة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ، حيث تم رفع سعر الفائدة بمجموع 10% على مدار عام ، خلال الخمسة اجتماعات الأخيرة ، وأولها في 21 مارس 2022 وآخرها في 30 مارس 2023 ، حين رُفعت الفائدة بـ 200 نقطة أساس إلى 18.25% للإيداع و19.25% للإقراض.
وكانت لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري قد إجتمعت فى 18 مايو الجاري ، والتى إتخذت قرارها بالإبقاء على أسعار الفائدة حول معدلاتها السابقة ، وبالطبع يكون قرارها دائماً متوافقاً مع مجريات ومتطلبات تحقيق مستهدفاتها في استقرار الأسعار ومواجهة التضخم.
وحقيقة الأمر أننا في هذا المقال لا نستهدف مناقشة توجهات لجنة السياسة النقدية بالنسبة لتغيرات أسعار الفائدة ، بقدر ما نود التركيز على إلقاء الضوء على الظروف الاقتصادية المعاصرة التي نعايشها ، ومدى تطلبها الاستمرار في استخدام سياسة رفع سعر الفائدة ، بغرض احتواء التضخم ، أم أن تلك الظروف قد تقتضي في المرحلة القادمة التوجه إلى آليات أخرى جنباً إلى جنب مع آلية سعر الفائدة؟.
يرى عبدالعال، أن آلية رفع سعر الفائدة لن تساعد في الأجل القصير والمتوسط في معالجة الوضع القائم المرتبط بالتضخم المصري ، الذي يبدو الآن وكأنه محصن ضد آلية رفع الفائدة ، وأصبح يتأثر أكثر بعوامل أخرى كمتغيرات سعر الصرف أولا ، وارتفاع كل ماهو مستورد ثانياً ، وارتفاع بعض أسعار السلع المحلية المحددة أسعارها إداريا .
ثالثاً : ولأننا نستورد أكبر بكثير مما نصدر فإن رفع الفائدة يزيد من تفاقم عجز الميزان التجاري ، وبالطبع زيادة كلفة تمويل عجز الموازنة .. وكلها مؤشرات تضغط على سعر الصرف ، ولأن هناك علاقة عكسية بين التضخم وسعر صرف العملة المحلية فإن أي تخفيض للعملة يعني ارتفاع معدل التضخم ، مع افتراض ثبات العوامل الأخرى، ولذلك فإن فاعلية آلية سعر الفائدة في احتواء التضخم محلياً ، وبعد فترة طويلة من استخدامها ، قد لا تكون هي الوسيلة المثلى حالياً.
أضاف، أن القول بأن معظم دول العالم مازالت مستمرة في انتهاج رفع الفائدة ، وهي تحاول احتواء التضخم والهبوط به إلى مستهدفاته الموضوعة ، هو أمر مردود عليه ، لأن استخدام تلك الآلية يقتضي أن يتوفر لها بيئة تحتية مالية ونقدية مواتية ، ولكن ظروفنا ومشاكلنا الاقتصادية فى مصر مختلفة عن ظروف ومشاكل دول أخرى مستمرة في محاولاتها مواجهة التضخم برفع الفائدة.
أوضح قائلاً : نحن نختلف نسبياً عن تلك الدول في مدى قدرة آلية رفع الفائدة على التأثير في وقت مناسب في حجم وتغيرات الائتمان ، كما أن هيكل الاقتصاد يتعين أن يكون مررنا بالقدر الكافي ، بما يسمح للتغيرات في أسعار الفائدة بأحداث التغير المستهدف في الأسعار والأجور والدخل والإنتاج والتوظيف ، كما تتطلب أن تكون موارد السيولة لدى البنوك التجارية في حدود تقتضي الحاجة للقيام بعمليات الخصم بحجم مناسب ، ومن ثم يكون التأثير ملموساً في حالات رفع الفائدة.
من هنا نتفق مع بعض المتابعين من الخبراء المصرفيين في أن سياسة رفع الفائدة بأكثر مما هي عليه الآن ، وفي المرجلة الحالية قد لا يجدي نفعاً على مستوى الاقتصاد الكلي في شقيه النقدي والمالي.
ولذلك يمكن توقع أن تتجه السلطة النقدية في المرحلة القادمة إلى استخدام آليات أخرى ، جنبا إلى جنب مع آلية سعر الفائدة ، حيث يمكن التحكم في حجم كمية وسائل الدفع ، وحجم الائتمان المصرفي ، على سبيل المثال وليس الحصر ، عن طريق رفع الاحتياطي الإلزامي بدرجات مختلفة ، كما يمكن التحكم في عرض النقد المتداول بالتحكم في سياسة الإصدار ، حيث أن نسبة كبيرة من عرض النقود قد تكون من العملة المتداولة ، جنباً إلى جنب مع نقود الودائع.
ومن المهم الإشارة أن علاج العجز القائم في صافي الموجودات الأجنبية هو أمر مهم ، لأن هذا العجز يمثل زيادة غير مباشرة في السيولة المحلية “عرض النقود” ، كما أنه قد يكون هناك توجه إلى تشديد شروط منح الائتمان المصرفي ، خاصة في أنشطة التمويل الاستهلاكي.
يذكر أن البنك المركزي كان قد كشف ، عن تسجيل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من جانبه ، معدلاً شهرياً بلغ 1.7% في أبريل 2023 مقابل 2.4% في أبريل 2022 ، ومعدلاً شهرياً بلغ 2.5% في مارس 2023، وسجل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 38.6% في أبريل 2023 مقابل 39.5% في مارس 2023.
الدكتور أحمد شوقى الخبير المصرفى، قال أن سعر الفائدة يعتبر من أكثر أدوات السياسة النقدية المطبقة من البنوك المركزية للحفاظ على استقرار الأسواق، ويمر العالم حالياً بأوضاع اقتصادية شديدة التقلب والمصحوبة بإرتفاع عالي في معدلات التضخم، وبالنظر للأوضاع الاقتصادية المحلية فالتضخم الحالي مازال مرتفعاً وليس التضخم هو العامل الوحيد الذي تنظر إليه لجنة السياسات النقدية، فهناك عوامل أخرى كمعدل النمو الاقتصادي ( نمو الناتج المحلي الإجمالي) يصحبها معدل البطالة، والوضع الحالي وتوجهات الأسعار العالمية للسلع .
أشار إلى أنه مع انخفاض نسبي بنسبة أقل من 1% لمعدل التضخم الأساسي ليصل الي 38.6% في شهر أبريل 2023 مقارنة 39.5% في مارس ، بالرغم من رفع المركزي المصري في اجتماع مارس الفائدة بنسبة 2% ، وباجمالي 10% خلال عام كامل منذ مارس في العام الماضي للحد من التضخم ضمن سياسته التشديدية ، وفي نظرته لمعدلات التضخم المتوقعة وليس الحالية مستهدفاً 7% +أو – 2% بنهاية الربع الرابع من 2024 و5% + أو – 2% بنهاية الربع الرابع من عام 2026، فضلاً عن ان التضخم الحالي ليس ناتج من جانب الطلب ، وهو ناتج عن زيادة التكاليف وجانب العرض.
ومع توجه الدولة لتحقيق معدل نمو إيجابي وفقاً لتوقعات المؤسسات الدولية وتصنيف مصر ضمن الاقتصاديات العشر المساهمة في تحقيق معدل نمو بالناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفي ظل اعتماد الاقتصاد المصري على استيراد أغلب مستلزمات الإنتاج والعديد من السلع الأساسية ، والتي شهدت استقرار نسبي في أسعارها بعد موجه الارتفاع الشديدة ، فضلاً عن تحريك سعر صرف الجنية المصري خلال الفترة الماضية ، وحدوث استقرار نسبي في أداؤة مقابل الدولار بالقطاع المصرفي ( الرسمي ) .
أكد شوقى، أن لجنة السياسات النقدية تسعى دائماً في ظل العوامل المذكورة لإتخاذ قراراها لإحتواء الضغوط على الأسواق واستقراراها في المدى القصير والمتوسط ، وفي ظل المعطيات الآخرى التي تراها بإستخدام أدواتها (الذراع النقدي) من خلال تنسيقها مع وزارة المالية (الذراع المالي) ، لإتخاذ القرار الملائم حتى لا تتعارض السياسات المالية مع السياسات النقدية في ظل المتغيرات والتوترات الاقتصادية التي نشهدها حالياً .
يرى، أن إتجاه لجنة السياسات النقدية للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستواها الحالي عند 18.25% للإيداع و19.25% للإقراض، يأتى للحفاظ على عدم زيادة عجز الموازنة وعدم زيادة أعباء سداد الدين، وكذا لبلوغ سعر الدولار بالعقود الآجلة والذي تجاوز 40 جنيه مصري ، والذي قد يكون له أثر في أداء الجنية خلال الفترة المقبلة.
بالإضافة إلى مساندة الاقتصاد المصري للإستمرار في تحقيق معدلات النمو المستهدفة، أما في حاله الرفع فقد يكون بنسبة لا تتجاوز نسبة 1% ، وذلك لكون أداة سعر الفائدة لن تساهم في تحقيق المستهدفات ، سواء في المدى قصير أو متوسط الأجل ، حيث كان أثرها في التضخم لم يتجاوز 1%،ومع التوجه نحو استخدام أدوات السياسة النقدية الأخرى ومنها الاحتياطي الالزامي ، وعمليات السوق المفتوحة، تقليل معدلات التمويل الاستهلاكي تحديداً سواء من القطاع المصرفي أو غير المصرفي لمزيد من احتواء معدلات التضخم، وتشديد ضوابط منح التمويل لعملاء التجزئة مع عدم الاستمرار في دعم القطاعات الهامة والاستراتيجية بعوائد منخفضة، سواء كان الدعم في أسعار الفائدة من وزارة المالية أو الوزارات المختصة.