قال الدكتور محمد عمران، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، إن وتيرة الإصلاحات الاقتصادية تسارعت خلال السنوات الثلاث الماضية، وبالتحديد منذ نوفمبر 2016 حين قام البنك المركزي بتحرير سعر الصرف، بالإضافة إلى وضع سياسات مالية تستهدف إعادة هيكلة منظومة الدعم وتحقيق إصلاحات حقيقية في هيكل الموازنة العامة للدولة والتركيز على تخفيض مستويات العجز بالإضافة إلى الإصلاحات التشريعية التي شهدتها منظومة الاستثمار، مضيفًا أن الإشارات الإيجابية لتلك السياسات واضح، ما بين نمو اقتصادي يتسارع، وعجز موازنة يتراجع، واحتياطي أجنبي يتزايد، ومعدل بطالة وتضخم يتهاوى، وشمول مالي يتواكب، وشبكات ضمان تتكاثر، وتمكين مرأة وشباب يتزايد.
استعرض عمران، أحدث مؤشرات الأنشطة المالية غير المصرفية، حيث شهد سوق رأس المال في مصر ارتفاعاً ملحوظاً في قيمة الأوراق المالية المصدرة لتزيد على تريليون جنيه، كما واصلت البورصة دورها الرئيسي في دعم الاقتصاد من خلال توفير تمويل يزيد على 100 مليار جنيه للشركات المقيدة لمساعدتها على التوسع والنمو وتوفير المزيد من فرص العمل، وبالنسبة لقطاع التأمين فقد مر بمحطات مهمة، حيث أصبح كل طالب آمن في مدرسته بعد حصوله على مظلة تأمينية ليدخل تلك المظلة ما يقرب من 24 مليون طالب دفعة واحدة، وجاء ذلك تطبيقاً لقراري رئيس مجلس الوزراء بإنشاء صندوقين حكوميين للتأمين على طلاب المدارس المصرية والتعليم الأزهري، كما أن قانون التأمين الموحد الجديد المتوقع إقراره العام القادم سيقدم مظلة تأمينية أفضل وتطبيق أوسع للشمول المالي، كما تدعم الهيئة حوالي 5 مليون مشترك في صناديق التأمين الخاصة للحفاظ على حقوقهم المستقبلية.
بالنسبة لأنشطة التمويل والمتمثلة في التمويل العقاري والتأجير التمويلي والتخصيم والتمويل متناهي الصغر، قال عمران، إنها شهدت جميعها قفزات كبيرة وصلت لـ 25 ضعف بالنسبة لنشاط التخصيم مقارنةً بأرقامها في 2009 وخمسين ضعفاً بالنسبة للتأجير التمويلي، وبلغ عدد المستفيدين من نشاط التمويل متناهي الصغر 3 مليون مستفيد بأرصدة تمويل تصل إلى 15مليار جنيه، وأخيراً أتاح إنشاء سجل الضمانات المنقولة تسهيل الحصول على التمويل للكيانات المختلفة خاصة المتوسطة والصغيرة بإجمالي ضمانات بلغت 580 مليار جنيه منذ مارس من العام الماضي.
ذكر أن الهيئة أولت اهتماما خاصاً بحماية صغار حملة الأسهم ليصبح المؤشر الأفضل بين جميع مؤشرات تقرير ممارسة الأعمال، بل إن إحدى المؤشرات الفرعية حصلت مصر فيها على العلامة الكاملة متفوقة بذلك على دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط وكذلك مجموعة دول التعاون الاقتصادي والتنمية.
أضاف عمران، خلال كلمته باحتفالية هيئة الرقابة المالية، بمناسبة مرور عقد من الزمان على إنشاء الهيئة العامة للرقابة المالية، أن وجودها كجهة رقابية موحدة للقطاع المالي غير المصرفي، لتتم بذلك 80 عاماً في خدمة الاقتصاد المصري منذ أول تشريع لنشاط التأمين عام 1939، متابعا لقد كانت رحلة الدمج طويلة، معقدة، مرهقة، مليئة بالتحديات، ووضعت عبئاً إضافياً على الهيئة في الرقابة والإشراف على هذا القطاع للحفاظ على قطاع مالي غير مصرفي مستقر، محفز للنمو، جاذب للاستثمارات وقادر على تقليل حدة الصدمات الخارجية.
تابع لم يقتصر الأمر على أنشطة الهيئات الرقابية الثلاث التي تم دمجها ولكن أُنيط للهيئة تطوير واستحداث أدوات وأنشطة مالية أخرى مثل التأجير التمويلي، والتخصيم، والتمويل متناهي الصغر، وسجل الضمانات المنقولة بالإضافة لما هو مرتقب من أنشطة مستقبلية مثل التمويل الاستهلاكي وأسواق العقود الآجلة ومنصات التمويل الجماعي “Crowdfunding” وتنظيم تمويل المطورين العقاريين.
أما على المستوى الدولى، قال عمران، إن الهيئة ركزت على لعب دور إقليمي ليس على مستوي المنطقة فقط ولكن على مستوي الدول الناشئة ككل، وليس أدل على ذلك من إعادة انتخاب الهيئة عضواً بمجلس إدارة المنظمة الدولية لهيئات الأسواق المالية (IOSCO) وكذلك باللجنة التنفيذية لمنظمة مراقبي صناديق التأمين (IOPS) للمرة الثالثة على التوالي، كما تم تتويج الهيئة بجائزة الرقيب الأكثر ابتكاراً وإبداعاً في القارة الأفريقية عام 2018، بالإضافة لاختيار الأمم المتحدة لرئيس الهيئة لترأس المجموعة الاستشارية للهيئات الرقابية لأسواق المال بالأمم المتحدة في نفس العام.
على صعيد الاستدامة، قامت الهيئة باستحداث إدارة مستقلة للتنمية المستدامة، ونعمل على إنشاء أول مركز إقليمي للتمويل المستدام لنشر الوعي وتعزيز ثقافة الاقتصاد الأخضر في المنطقة، كما أطلقت أول تقرير للاستدامة تصدره هيئة عامة في مصر، كما أصدرت الهيئة قراراً يلزم الشركات المقيدة بالبورصة المصرية والشركات المالية غير المصرفية بأن يتضمن مجلس إدارتهم عنصر نسائي واحد على الأقل، للعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، بالإضافة لاعتزام الهيئة مطالبة تلك الشركات بالإفصاح عن تأثير التغيرات المناخية والانبعاثات الحرارية.
أشار إلى إطلاق الهيئة أول استراتيجية متكاملة للقطاع المالي غير المصرفي في مصر، والتي تحدد مسار القطاع خلال السنوات الأربع القادمة بهدف خلق نظام مالي غير مصرفي احتوائي ومحفز للنمو الاقتصادي يتسم بالاستقلالية والمساواة بين الجنسين ويحول الشمول المالي من رؤي وأفكار إلى واقع فعلي ويضع في مقدمة أولوياته تمكين المرأة والشباب ومحدودي الدخل، معتمدة في تحقيق ذلك على التحول الرقمي وآليات التكنولوجيا المالية، وتستعد الهيئة في بداية العام القادم لوضع الضوابط والقواعد اللازمة لتصميم إطار كفء لإدارة المخاطر وتحسين الملاءة المالية للمؤسسات المالية غير المصرفية بما يسهم في بناء منظومة فعّالة للانذار المبكر وقياس المخاطر على مستوى تلك الأسواق.
أكد عمران، على أن تطوير القطاع المالي يتطلب تشريعات مواكبة ورقابة قوية، لذا فأنَّ وجود نظام قانوني يتميز بحماية حقوق الملكية الفكرية وسيادة القانون وتنفيذ التعاقدات، وكذلك وجود مرونة في الإجراءات وسرعة الفصل في المنازعات المالية وتقليل ما يُسمى بعدم تماثل المعلومات، لمن العناصر المهمة لتطوير القطاع المالي، مضيفا أن الرقيب لابد أن يكون حازماً حيث توضح الأدبيات أن الشركات تجد سهولة في الحصول على التمويل في الدول التي تتميز بالصرامة في تنفيذ القوانين والتي يتم فيها حماية حقوق الدائنين بشكل قوى، إلا أن الهيئة حريصة في الوقت ذاته على التواصل الفعال مع الجهات والأطراف ذات العلاقة، فأصبحت الرقيب الذى يبني الجسور لا الحواجز، ولذلك كان اختيار الشعار الجديد للهيئة ليعبر عن فلسفتها في العمل وفقاً لجناحين جناح ينطلق بالطموحات بلا حدود، والآخر يحمي ويظلل ويحفظ الحقوق.
دعا الحكومة فى أن تستمر في جهود دعم القطاع المالي لما في ذلك من تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة لتحقيق جهود رئيس الجمهورية لتحسين معيشة جموع المواطنين وهو ما يستلزم أن يكون هذا النمو مستداماً، نمواً يؤهلنا لتحقيق حلم الانضمام لما يُعرف بنادي ال 13 وهو ما يتطلب معدلات نمو لا تقل عن 7% سنوياً ولمدة 25 سنة متصلة على الأقل.
اختتم عمران حديثه، موجها الشكر لكلا من محمود محي الدين وفريق العمل من داخل وزارة الاستثمار والجهات التابعة لها في ذلك الوقت، مروراً برؤساء الهيئات السابقين الدكتور زياد بهاء الدين، الدكتور أشرف الشرقاوي، شريف سامي، وكل النواب وأعضاء مجالس الإدارة السابقين والحاليين، كما وجه الشكر لرئيس الوزراء الذي يتعاون معنا لأقصي حد ويقوم بنفسه بالتدخل لتسريع وتسهيل الإجراءات التشريعية المطلوبة للقطاع.